لقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون المسلمون جميعاً يداً واحدة، وجسماً واحداً، وكتلة واحدة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً... قال تعالى: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنَّهم بُنْيَنٌ مَّرْصُوصٌ) [الصف 4].ولقد ساوى الإسلام بين معتنقيه، ولم يجعل التمييز بينهم على...

لقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون المسلمون جميعاً يداً واحدة، وجسماً واحداً، وكتلة واحدة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً... قال تعالى: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنَّهم بُنْيَنٌ مَّرْصُوصٌ) [الصف 4].
ولقد ساوى الإسلام بين معتنقيه، ولم يجعل التمييز بينهم على أساس اللون أو العرق أو الحسب والنسب، وإنما جعل التفاضل بينهم أساسه التقوى (إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ) [الحجرات 13] وجعل الإسلام بين المؤمنين أخوة مبنية على رباط الدين الذي هو أقوى وأمتن من رباط النسب أو العرق أو التعصب للقبيلة.
ولقد إلتزم الصحابة الكرام والمسلمون الأوائل بهذه التعاليم السامية، والمبادئ العظيمة، وانطلقوا يبشرون بهداية الدين الحنيف، وبما يحمله من خير للإنسانية، جمعاء، لذلك أقبلت جموع الناس على الدخول فيه، يحدوهم مالمسوه من إخاء ومساواة وعدالة...
ودخل الأعاجم في دين الله تعالى زرافات ووحدانا، وأقبلوا على تعلم اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، كي يفهموا أمور ديهم، وانطلقوا يبدعون في العلوم اللغوية والشرعية وعلوم الرياضيات والكيمياء والصيدلة والطب والفيزياء والفلك ومختلف الفنون من رسم ونحت وبناء وموسيقى وفي الصناعات المتنوعة... فظهر منهم كبار اللغويين والنحويين والشعراء والأدباء والمحدثين والمصنفين في علوم الحديث والمفسرين والحفاظ والقراء والمؤرخين والأطباء والصيادلة والرياضيين والفلكيين والمهندسين والبنائين والخطاطين.
وكانت لهم إسهامات عظيمة في الحضارة الإسلامية، حيث أن هؤلاء المسلمين غير العرب يحملون ثقافات متنوعة، وعلوماً متقدمة، فلما دخلوا في هذا الدين سخّروا كل إمكانياتهم لخدمته، والعمل على نشره بين الأمم والشعوب.
ولأهمية هذا الموضوع، يضم هذا الكتاب ترجمة مختصرة لأبرز أعلام الحضارة الإسلامية من المسلمين غير العرب، لجأ فيه المؤلفون إلى الأسلوب العلمي السليم الذي ينأى عن الإطناب والمغالاة، وينسب القول إلى صاحبه، والفعل إلى عامله، كما اعتمد المؤلف في كتابه على التصنيف على أساس حروف المعجم وهو الأسهل بالنسبة للقارئ.