يمثّل مبدأ المشروعيّة أحد المبادئ الرئيسيّة اللازمة لقيام الدولة القانونيّة، حيث تغدو السيادة للقانون، لا لأشخاص الحكم، وبمقتضى هذا المبدأ يسمو القانون - بإعتباره تعبيراً عن الإرادة العامّة - على إرادة جميع أفراد المجتمع والسلطات العامّة في الدولة، أيّاً كان دورها في...
يمثّل مبدأ المشروعيّة أحد المبادئ الرئيسيّة اللازمة لقيام الدولة القانونيّة، حيث تغدو السيادة للقانون، لا لأشخاص الحكم، وبمقتضى هذا المبدأ يسمو القانون - بإعتباره تعبيراً عن الإرادة العامّة - على إرادة جميع أفراد المجتمع والسلطات العامّة في الدولة، أيّاً كان دورها في وضعه وإقراره وإصداره. ولا ريب في أنّ خضوع السلطة الإداريّة، على وجه الخصوص، للقانون يمثّل إحدى أهمّ نتائج مبدأ المشروعيّة ومقتضياته، وخصوصاً عند إصدار القرارات الإداريّة التي تعدّ المظهر الرئيسيّ والأساسيّ لوسائل الإدارة في مباشرة أوجه نشاطها كافة بلا إستثناء. وكان، من نتيجة إتّساع نشاط الإدارة، قيامُ المشرّع بمنحها إمتيازات عديدة كالسلطة التقديريّة وغيرها، لتتمكّن من تحقيق وظائفها بفاعليّة. من هنا، بدت ضرورة العمل على تنظيم الرقابة المجدية والفعّالة وفرضها على أعمال الإدارة، وخاصّة قراراتها الإدارية الصادرة عن سلطتها التقديرية، وذلك لضمان عدم خروجها على أحكام القانون المنظِّمة لإختصاصاتها وأعمالها، وحتى لا يكون هذا الإتّساع وبَالاً على حريّات الأفراد وحقوقهم وممتلكاتهم. من هذا المنطلق، تمر الرقابة بمراحل ثلاثٍ: المرحلة الأولى: الرقابة على الوجود المادّيّ للسبب، المرحلة الثانية: الرقابة على الوصف القانوني للسبب، المرحلة الثالثة: تتضمّن تقديراً للواقعة في أهمّيّتها وخطوراتها ومدى تناسبها وتبريرها القرار الذي أصدرته الإدارة، على أساس أنّها هي التي تملك، في الأصل، وزنَ مناسبات العمل، وتقديرَ أهمّيّة النتائج التي تترتّب على الوقائع الثابت قيامها، وقد أطلق القاضي الإداري الفرنسيّ على هذه الرقابة الثالثة اسم رقابة التناسب. وعليه، يدور هذا البحث حول رقابة القضاء على التناسب في القرار الإداري في الظروف العاديّة دون الإستثنائية في كلّ من فرنسة ومصر ولبنان؛ في هذا الكتاب سنجد الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال ثلاثة فصول كما يلي: الفصل الأوّل: مبدأ التناسب في القرار الإداريّ، الفصل الثاني: الوسائل القضائية للرقابة على التناسب، الفصل الثالث: مجالات تكريس الرقابة القضائيّة على التناسب في القرار الإداريّ.