لا يمكن لأي مجتمع إنساني متحضر أن يقف مكتوف الأيد أمام ما يتعرض له الإنسان اليوم من إنتهاك لحقوقه وحرياته، ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يتغاضى عن الجرائم التي تشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين لخطورة هذه الجرائم وما ترتبه من أضرار جسيمة وإحتمال إفلات مرتكبيها بسبب الحصانة...
لا يمكن لأي مجتمع إنساني متحضر أن يقف مكتوف الأيد أمام ما يتعرض له الإنسان اليوم من إنتهاك لحقوقه وحرياته، ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يتغاضى عن الجرائم التي تشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين لخطورة هذه الجرائم وما ترتبه من أضرار جسيمة وإحتمال إفلات مرتكبيها بسبب الحصانة التي يتمتع بها أغلبهم أمام القضاء الجنائي الداخلي. وقد حضيت الجرائم الدولية بصفتها أحد أكثر الجرائم خطورة وتأثيراً على المجتمعات البشرية بإهتمام فقهي وعالمي خاصة عقب المآسي التي تعرضت لها الإنسانية عقب الحرب العالمية الثانية. وقد شعرت الدول بضرورة وجود نظام قضائي دولي دائم يتولى مهمة النظر في الجرائم الدولية الخطيرة ومعاقبة مرتكيبها، وقد تكلل مسعى الأمم المتحدة في مواجهة إنتهاكات القانون الدولي في تأسيس المحكمة الجنائية الدولية وتبني النظام الأساسي للمحكمة في 1998/7/17 ومنحها الإختصاص في محاكمة مرتكبي الجرائم الخطيرة التي تهم المجتمع الدولي ومقرها في لاهاي، وقد كان إنشاء هذه المحكمة خطوة كبيرة نحو إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب. ويمكن القول بأن هذه المحاكم قد اعتمدت في تقرير قواعد المسؤولية في محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية على قواعد القانون الدولي، دون النظر في قواعد المسؤولية المقررة في القانون الجنائي الداخلي؛ إلا أن بعض الدساتير تنص في كثير من الدول على إعفاء بعض الأشخاص من المسؤولية المترتبة على أفعالهم، لإعتبارات ترجعها غالباً إلى (مقتضيات المصلحة العامة) مما يترتب عليه أنه لا يمكن محاكمة هؤلاء على أي جريمة قد يرتكبونها على إقليم الدولة لعدم خضوعهم إلى الإختصاص القانوني والقضائي فيها. وفي كل ذلك يتطرق المؤلف إلى موقف المحكمة الجنائية العراقية العليا التي تم تشكيلها بموجب القانون رقم 1 لسنة 2003 من قبل مجلس الحكم العراقي والمفوض بإنشاء المحكمة الجنائية العراقية المختصة بالجرائم ضد الإنسانية (في حينها) بموجب (48) الصادر من المدير الإداري لسلطة الإئتلاف المؤقتة لمحاكمة قادة النظام السابق المتهم بإرتكاب المآسي. وهي محكمة مشكلة بقانون وطني وقضاتها وهيئة الإدعاء العام فيها وطنيون إلا أنه ومن خلال إستقراء نصوصها يتبين إعتمادها قواعد القانون الدولي الجنائي الخاصة بالجريمة الدولية من حيث أنواع الجرائم الدولية الخاضعة لإختصاصها والتي تشكل الإتفاقيات الدولية والعرف الدولي من أهم مصادر هذه الأحكام، التي تسود على القواعد الجنائية الداخلية وتتميز عنها. كما تناول المؤلف بالبحث مبادئ القانون الدولي الجنائي التي طبقتها المحكمة الجنائية العراقية العليا لا سيما الأحكام الإجرائية للقانون الدولي الجنائي على إجراءات القضاء الوطني خاصة تلك التي تتعلق بأحكام المسؤولية الجنائية الفردية وإستبعاد الحصانة والصفة الرسمية ومسؤولية الرئيس والمرؤوس وعدم الإعتداد بالعفو الممنوح عن هذه الجرائم وعدم تقادمها مهما طال زمن إرتكابها.