نزل القرآن الكريم كتابُ الله تعالى الخالد، فتشاعلَ العرب به، وشمَّر الأوائل منهم عن سواعدهم يتعهّدونه بتفسير ألفاظه وبيان معانيه، ثم أعقبهم آخرون تناولوا نصَّه بالضبط إعجاماً وإعراباً، حين وجدوا زيغاً عن صواب القراءة وإنحرافاً عن عربيّته، ثم جاء القرن الثاني الهجري...
نزل القرآن الكريم كتابُ الله تعالى الخالد، فتشاعلَ العرب به، وشمَّر الأوائل منهم عن سواعدهم يتعهّدونه بتفسير ألفاظه وبيان معانيه، ثم أعقبهم آخرون تناولوا نصَّه بالضبط إعجاماً وإعراباً، حين وجدوا زيغاً عن صواب القراءة وإنحرافاً عن عربيّته، ثم جاء القرن الثاني الهجري فظهرت فيه الدراسات اللغوية والنحوية والصرفية، وشمل التطوّر هذه الدراسات مادة ومنهجاً، فاختلفت إتجاهاتها تبعاً لإختلاف المؤثرات البيئية والفكرية، فاستقرَّ منهجان لكلٍّ منهما خصائصُهُ وأسسُهُ العلمية، عرفاً بمدرستي البصرة والكوفة اللتين كان لنتاج علمائهما الأثر الأكبر في حفظ اللغة وصونها من الذهاب؛ وانتشرت ظاهرة الإملاء في هذا القرن وبدأت تتطوّر في علوم العربية والدين، في القرون التالية، فكانت الأمالي الكثيرة النحوية واللغوية والفقهية وغيرها. وقد كان (أصول التوجيهين النحوي والصرفي في كتب الأمالي حتى القرن السابع الهجري) موضوعاً لرسالة الدكتوراه؛ هذا ما دفع المؤلف إلى إختيار هذا البحث بسبب الإملاءات الكثيرة على مسائل النحو والصرف، لغوص إلى كنه هذه المسائل ليعيش في عمق توجيهها، وسبر أغوار هؤلاء النحاة الذين وجّهوا مسائلهم بحسب المعنى أو بحسب القاعدة أو طبيعة اللغة أو المذهب أو الفكر والإنتماء النحوي. وتنقسم الرسالة إلى مقدمة وستة فصول وخاتمة، فأما المقدمة فأودع فيها الكلام عن أسباب إختيار الموضوع، وعرضاً لفصوله ومصادره المختلفة، ومنهجه في البحث، وختمها بالشكر، وخصص الفصل الأول: (كتب الأمالي وقيمتها) لشرح ما المقصود بالأمالي والفرق بينها وبين المجالس، وعرَّف بمضمونها وأصحابها، وطريقتهم في التأليف، والأداء والتحمُّل؛ وتناول في الفصل الثاني: (الأصول النحوية عند أصحاب الأمالي) فعرض للسماع (النقل) فوجد العناية به منذ القرن الهجري الأول على يد الجيل الذي تتلمذ على أبي الأسود (ت 69هـ) وابن أبي إسحاق (ت 117هـ) ومن بعدهُم، لذا تطرق في الفصل الثاني إلى مذاهبهم النحوية، وفي الفصل الثالث: (مرتكزات التوجيهين النحوي والصرفي) استهللته بذكر المعنى: وهو المعنى المعجمي، ثم المعنى الوظيفي، وموقعه الإعرابيّ، والمعنى الإجتماعي (المقام) وهو المعلومات التي تحيط بالنص، وأمَّا الفصل الرابع: (المؤثرات في التوجيهين النحوي والصرفي عند أصحاب الأمالي)، وفي الفصل الخامس (معالم في التوجيهين النحوي والصرفي)، وفي الفصل السادس: (مخالفات أصحاب الأمالي وتفرداتهم النحوية). وقد اتخذ لنفسه منهجين في البحث: المنهج الوصفي الإستقرائي والمنهج التاريخي اعتنى فيهما بالدقة والإستقصاء للظاهرة بصورة عامة، ثم ذهب إلى التحليل والتدقيق في كلِّ مسألة طرق بابها، ثم ختم البحث ونتائج البحث حيث ذكر فيها خلاصة البحث وأهم ما توصل إليه من نتائج في مراحل البحث المختلفة.