إن التطور الأكثر تأثيراً على القانون المعاصر هو ظهور فاعلين أساسيين للتكنولوجيا الجديدة: مزوّد خدمات الإنترنت التقنية من جهة، ومستخدم الإنترنت من جهة أخرى، وقد أدى التفاعل بينهما إلى إلحاق الضرر بالغير من جرّاء إستعمال الإنترنت، لذا تكاثرت الدعاوى، وتم طرح مسألة...
إن التطور الأكثر تأثيراً على القانون المعاصر هو ظهور فاعلين أساسيين للتكنولوجيا الجديدة: مزوّد خدمات الإنترنت التقنية من جهة، ومستخدم الإنترنت من جهة أخرى، وقد أدى التفاعل بينهما إلى إلحاق الضرر بالغير من جرّاء إستعمال الإنترنت، لذا تكاثرت الدعاوى، وتم طرح مسألة أساسية ودقيقة وهي: من هو المسؤول عن هذا الضرر؟... وكيف يمكن التعويض على الضحية؟... وذلك إنطلاقاً من المبدأ القانوني "لا تعويض بدون ضرر". هذا وتفترض دعاوى المسؤولية إذاً وجود ضرر لاحق بالضحية ناجم عن فعل غير مشروع، وصلة سببية بين الفعل الضار والضرر، تم إخضاع الفاعل الأول أي مزوّد الخدمة لمسؤولية مخفّفة، في حين كان الفاعل الثاني؛ أي المستخدم موضع اهتمام المشترع عندما يكون هو الضحية، ومحور نظام دقيق عندما يكون هو المعتدي، ودار الجدل حول نوع المسؤولية الواجبة التطبيق: أهي المسؤولية الشخصية أم المسؤولية الموضوعية؟... من هنا، تأتي أهمية البحث الذي سيتم التركيز فيه على المسؤولية التقصيرية التي تم تطبيقها على مزوّدي خدمات الإنترنت التقنية، فَوَضْع هؤلاء المزوّدين دقيق جدّاً إزاء المعلومات غير المشروعة المنشورة بواسطتهم لأنهم يخشون نسبة المسؤولية التقصيرية إليهم من جرّاء إقدام المشتركين معهم على نشر مضامين مخالفة للقانون، كما يخشون تحقق هذه المسؤولية إذا حذفوا معلومات ظنّوا أنها غير مشروعة، سيشكل المضيف ومورّد خدمة الوصول المنظّم نشاطهما في القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 21 حزيران 2004 المحور الأساسي لهذا البحث، مع التطرق لبقية أنشطة المزوّدين التي لها علاقة بنشاطهما كمنطلقات للبحث، وذلك على سبيل المثال. وتجدر الإشارة إلى أنه لم يصدر في لبنان أي قانون ينظم نشاط هؤلاء المزوّدين، كما أن الإجتهاد حول هذه المسألة القانونية شبه منعدم في هذا المجال، الأمر الذي دفع الباحثة إلى تركيزها على القانون الفرنسي بصورة خاصة، مع دراسة مقارنة للقوانين الأوروبية وللقانون الأميركي. وقد جاء هذا البحث ضمن قسمين: تمّ في الأول منهما مناقشة شروط مسؤولية وسطاء الإنترنت وتطبيق القانون العام عليهم من قبل الإجتهاد، قبل صدور القانون الخاص بهم، ليصار من ثم إلى تخصيص فصل لمناقشة القانون الفرنسي الجديد والقوانين الأوروبية والأميركية. ليدور من ثم، القسم الثاني حول موضوع تطبيق هذه المسؤولية، ولأن التواصل عبر شبكة الإنترنت يجمع متصلين من أماكن مختلفة في العالم، فإن موضوع هذه المسؤولية يتقاطع بشكل كبير مع مواضيع القانون الدولي الخاص، مما دفع الباحثة إلى تخصيصها هذا القسم لمناقشة المواضيع التالية: - المحكمة المختصة - القانون المختص - طرق تنفيذ الأحكام القضائية. ذلك كله، بعد شرح مواضيع أساسية تتعلق بالمسؤولية وبالإنترنت وبمزوّدي خدماتها، وقد جاء ذلك في القسم التمهيدي، وتجدر الإشارة إلى أن أصل هذا البحث هو أطروحة لنيل الباحثة درجة الدكتوراه في القانون.