الانتحار موضوع حساس يتردد المرء في التطرق إليه لمشاعر الاستهجان والاستنكار أو تأنيب الضمير التي يستثيرها الحديث عنه، أو حتى مجرد ذكره. بيد أن ظاهرة الانتحار برغم ستار الصمت الذي يحيط بها حقيقة واقعة تطالعنا بها وسائل الإعلام بين الحين والآخر. والمجتمع العربي ليس غريباً عن...

الانتحار موضوع حساس يتردد المرء في التطرق إليه لمشاعر الاستهجان والاستنكار أو تأنيب الضمير التي يستثيرها الحديث عنه، أو حتى مجرد ذكره. بيد أن ظاهرة الانتحار برغم ستار الصمت الذي يحيط بها حقيقة واقعة تطالعنا بها وسائل الإعلام بين الحين والآخر. والمجتمع العربي ليس غريباً عن هذه الظاهرة، وبالأخص عن جانبها الإيجابي البطولي وهو الانتحار في سبيل القضية السامية، قضية تحرير الأراضي العربية المحتلة، حيث نرى بعض شبابنا يحولون أنفسهم إلى قنابل موقوتة تنفجر في وجوه الأعداء، على غرار طياري الكاميكاز اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية.
في هذا الكتاب يحاول الكاتب أن يلقي الضوء ساطعاً على هذه الظاهرة بشقيها الإيجابي والسلبي، فيبين لنا أنها قديمة قدم العالم، وأنها مرتبطة بجملة من العوامل النفسية والظروف الاجتماعية والمؤثرات الخارجية.
إن مشاعر الإحباط التي تنتاب المرء في حياته، وحالات الكساد الاقتصادي وما يستتبعها من إفلاسات ذريعة وضائقات مالية، والارتفاعات المفاجئة في درجات الحرارة، فضلاً عن الفلسفات التي، كالرواقية، والأبيقورية، والشكوكية، والبيرونية، كانت تحبذ الانتحار وتدعو إليه، ومفاهيم الشرف والوفاء والشهادة، كلها عوامل تشجع المرء على الانتحار.
هذا ويعتمد المؤلف في كتابه هذا على الكثير من الشواهد الحية، فيورد لنا عدداً لا بأس به من حوادث الانتحار القديمة والحديثة، ولا سيما تلك التي كان لها صدى كبير وتناقلتها وسائل الإعلام، الأمر الذي يجعل من هذا الكتاب مرجعاً هاماً فيما يتعلق بالانتحار، وملفاً له.
وهذا الكتاب يصدم المرء في كثير من آرائه حول الحياة والنجاح فيها، ويستدعي منه وقفة تأمل واعتبار. فما أكثر الذين يعتبرون أن السعادة هي في قصر منيف، وسيارة فارعة، وامرأة جميلة، وثياب فاخرة أنيقة، فتراهم يغبطون بل وحتى يحسدون كل من شاء له القدر أن يكون له ذلك! إنهم سيصدمون كثيراً عندما يرون كبار أثرياء العالم ومشاهير السينما والأدب قد انتحروا برغم ثرائهم العريض أو شهرتهم الواسعة، أو شكلهم الجذاب.
ومن جانب آخر يشعر المرء بالإجلال والإكبار نحو أولئك الذين يضحون بأنفسهم دفاعاً عن وطنهم، وتحريراً لأراضيهم المغتصبة. إن الانتحاري هنا لا يموت ميتة مجانية، بل في سبيل قضية سامية يهرق دمه على مذبحها.