تأثرت النظرية العامة للعقود زمن بعيد بمبدأ أساسي جوهري قام على تقديس الإرادة الفردية ليجعلها مصدر كل عقد وكل التزام، عرف هذا المبدأ بمبدأ سلطان الإرادة وتأثرت به الشرائع الحديثة على الأخص القانون المدني الفرنسي ومثله قانون الموجبات والعقود اللبناني المأخوذ عنه. إلا أن هذه...
تأثرت النظرية العامة للعقود زمن بعيد بمبدأ أساسي جوهري قام على تقديس الإرادة الفردية ليجعلها مصدر كل عقد وكل التزام، عرف هذا المبدأ بمبدأ سلطان الإرادة وتأثرت به الشرائع الحديثة على الأخص القانون المدني الفرنسي ومثله قانون الموجبات والعقود اللبناني المأخوذ عنه. إلا أن هذه القوانين لم ترحب بالمبدأ على إطلاقه بل وضعت للإرادة التعاقدية ضوابط من شأنها التوفيق بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة.
فجاءت المادة 166 من قانون الموجبات والعقود اللبناني لتطلق مبدأ حرية التعاقد مع مراعاة النظام العام والآداب العامة والقواعد القانونية الإلزامية.
كما تحدثت المادة 221 موجبات وعقود عن القوة الإلزامية للرابطة التعاقدية فاعتبرت أن العقود المنشأة على الوجه القانوني تلزم المتعاقدين.
ولم يقتصر القوة الملزمة للعقد على الطرفين المتعاقدين بل امتدت لتلزم القاضي الذي لا يملك سوى تفسير العقد لاستخلاص النية الحقيقية للمتقاضين دون أن يكون له حق التدخل في العقد وتعديل بنوده تحت ستار تحقيق العدالة والإنصاف ومقتضيات حسن النية.
ولكن القانون سمح للقاضي في حالات استثنائية التدخل في العقد فأجاز له في المادة 266 من قانون الموجبات والعقود أن يعدل غرامة الإكراه إذا وجدها فاحشة وأن ينقص البدل المعين في البند الجزائي إذا كان قد نفذ قسم من الموجب الأصلي. من جهة أخرى أجاز المشترع للقاضي أن يتدخل في العقد سنداً للمادة 115 التي خولته سلطة منح المدين الحسن النية مهلاً معتدلة لإيفاء الموجب.
وفيما عدا هذه الاستثناءات القليلة يبقى العقد ملزماً للقاضي فيرتبط به ارتباطه بالقانون.
وقد طرحت حديثاً مسألة شائكة استحوذت على اهتمام الحقوقيين وهي تتلخص بالآتي: ما هو مصير العقد الذي اختل توازنه وانقلبت موازينه الاقتصادية على أثر ظروف استثنائية طارئة؟ وهل يسوغ للقاضي في مثل هذه الظروف أن يعدل البنود التعاقدية لإعادة التوازن وإصلاح الخلل؟
هذا ما ستحاول الإجابة عليه هذه الدراسة على أن ينحصر بحثها بالظروف الطارئة لجهة تدني قيمة النقد كونها الحالة الأكثر شيوعاً.