يمكننا بصورة مبدئية، ومن حيث التصنيف، أن نقسم فقهاء القانون إلى قسمين أو طائفتين: طائفة فقهاء النظريات وطائفة فقهاء التفسير أو الشرح. الأولى: هي طائفة الفقهاء الذين يبنون نظريات قانونية انطلاقا من مبادئ محددة واعتبارات مجردة بغية تطوير القواعد القانونية العامة المتعلقة...

يمكننا بصورة مبدئية، ومن حيث التصنيف، أن نقسم فقهاء القانون إلى قسمين أو طائفتين: طائفة فقهاء النظريات وطائفة فقهاء التفسير أو الشرح. الأولى: هي طائفة الفقهاء الذين يبنون نظريات قانونية انطلاقا من مبادئ محددة واعتبارات مجردة بغية تطوير القواعد القانونية العامة المتعلقة بنظريتهم. والثانية: هي طائفة الشرّاح الذين ينطلقون من النصوص الوضعية بغية تفسيرها وتحديد شروطها وحالات تطبيقها وذلك في ضوء الاجتهاد والممارسة.
ومؤلف هذا الكتاب "الأستاذ فايز الإيعالي" ينتمي بصورة أكيدة إلى الفئة الثانية، فهو محام تطبيقي من حيث أصول المحاكمات ومجتهد جدي في الشرح والتفسير إذ أنه خبر الاجتهاد قاضياً ومحامياً مدة طويلة في الحقلين، حتى أصبحت لديه قدرة على (مماحكة) النص إذا صحّ التعبير بصورة تمكنه من استجلاء أضوائه وتنوع ألوان أشعته. فالنص ليس حرفاً ميتاً أو قاعدة جامدة، بل على العكس إنه ينطوي رغم جموده الظاهري على طاقة حيوية متحركة بقوة وثبات، ومتموجة بهدوء تبعاً للحالة المعروضة. من هنا تبرز أهمية التفسير، وافضل المفسرين هم القادرون على الغوص في أعماق النص لاستخراج أدق معانيه، وتفصيل التباساته.
والكتاب الذي نحن بصدده "قواعد الإجراءات الجزائية اللبنانية" أو أصول المحاكمات الجزائية اللبنانية يشكل محاولة من هذا القبيل، فهو يتناول أبواب ونصوص قانونية أصول المحاكمات الجزائية بشقيه العدلي والعسكري باباً باباً ونصاً نصاً، كما يتناول النصوص الإجرائية من أبوابها ويتفحصها في ضوء التجارب والاختبارات والتطبيق وبكلمة في الاجتهاد، ويقارن بعضها ببعض عند وجود أوجه الشبه أو المماثلة أو المطابقة، فيشرح ويفسر ويبدي الملاحظات ويفجر الأضواء ويبسطها بوضوح لكل معنى بالموضوع مما يغنيه عن موسوعات ويوفر عليه عناء لم يوفره المؤلف على نفسه، ولذلك جاء مؤلفه خلاصة موسوعات ومختصر مجموعات وملخ طبقات من الآراء والتعليقات على ما في هذه المجموعات والموسوعات من تضارب في الرأي حتى حول المسألة الواحدة أو الإجراء الواحد.