-
/ عربي / USD
لا ريب أن علم التوحيد هو أشرف العلوم والعالم به هو أفضل العلماء، وقد اختلف الناس فخلطوا في منهجيته الإستدلال على جوده تعالى، فإنه لما كان (ليس كمثله شيء)...
لا يصح الإستدلال عليه بالحواس والتجربة، بل يكون الطريق إلى إثباته أما الفطرة؛ وهي أمر يتفاوت الناس فيه، فبين من تكفيه فطرته ومن لا تكفيه؛ بل بحاجة إلى مؤونة زائدة عليه كالإستدلال عليه تعالى عن طريق العقل، وهو الطريق الصحيح في الإستدلال.
إذ به يسدّ باب اللجاج والإحتجاج، ولا يصح الإستدلال بالطريق العلمي الذي من أدواته التجربة، لكون التجربة تثبت المحسوس، وليس هو تعالى من جنس المحسوس، فهذا الأمر يتعلق بالقب والعقيدة فقد تشتبه الحواس، فيردّ العقل خطأها.
فإذاً، اختلفت المشارب في الإستدلال على الباري تعالى، وإذا اختلفت درجات السائلين اختلفت بالطبع الأسئلة والأجوبة حول الموضوع، فقد سأل سعد بن سعد الإمام رضي الله عنه: ما التوحيد؟ فقال: "هو الذي أنتم عليه، وسأل هشام بن الحكم الإمام الصادق رضي الله عنه فقال: ما الدليل على أن الله تعالى واحد؟ فقال: إتصال التدبير، وتمام الصنع، كما قال عزّ وجلّ: ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)... ودخل هشام بن سالم على الإمام الصادق رضي الله عنه فابتدره الإمام قائلاً: أتنصت الله فقال هشام: هو السميع البصير، فقال الإمام الصادق: هذه صفة تشترك فيها جميع المخلوقات، ثم قال: هو نور لا ظلمة فيه، وحياة لا موت فيه، وعلم لا جهل فيه وحقّ لا باطل فيه... يقول هشام: فخرجت من عنده، وأنا أعلم الناس بالتوحيد".
وفي كلمات الحكماء والفلاسفة ما يشير إلى هذا الإختلاف في كيفية الإستدلال، فقد استدل الفارابي عليه تعالى فقال: الواجب تعالى صرف الوجود، والوجود الصرف يمتنع عليه التكرار والتعدد بالذات فتعدّد الواجب تعالى مستحيل.
واستدل صدر المتألهين بقاعدة حقيقة كل الأشياء وليس بشيء منها، وتقرير برهانه أنه تعالى منزّه عن التركيب فهو بسيط محض، والبسيط المحض لا يكون فاقداً لأي شيء، فلو فرض واجبات للوجود كان أحدهما واجداً لنفسه فاقداً لآخر، وهذا تركيب لكلّ منها من الوجدان والفقدان المستحيل على واجب الوجود.
فهذا العلم من النوع الذي سهّل الله حمله وأعان عليه من خاصة أوليائه، فإنه ليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسره لكل الناس؛ لأن منهم القوي والضعيف، ومنه ما يطاق حمله ومنه ما لا يطاق إلا من يسهّل الله تعالى له حمله.
هذه هي درجات العلم ودرجات العلماء، والذي ينبغي على المرء الأخذ بأعلاها وأفضلها، فإن طريق الفطرة لما كان مختلف فيه لا يمكن الإكتفاء به للعالم، فبعض العلماء عند إستدلاله على وجود الصانع - وبعد ما يسوق الدليل عليه - يقول: ومبني الكل على أن إفتقار الممكن إلى الموجود، والحادث إلى المحدث ضروري، تشهد به الفطرة، وهذا الطريق وأن أيدته الأدلة النقلية كقوله تعالى: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين) - وأنه من التوحيد الذي فطرت عليه العقول وأخذت به المواثيق وأرسلت به الرسل إلا أنه يبقى أضعف درجات الإيمان؛ لأن هناك من ينكر ذلك، وهناك طريق مشابه لطريق الفطرة، لكن فيه صبغة علمية وهو معرفة الله تعالى عن طريق النفس والتأمل في الآفاق.
وهناك طريق آخر للإستدلال على الله تعالى عند أهل المعرفة، منهم يعتبرون الإستدلال عليه عن طريق خلقه حاجزاً عن معرفته لما اشتهر عنهم أنهم قالوا: "اعرفوا الله بالله" وهذا هو طريق العارفين بالله، فعن أمير المؤمنين رضي الله عنه أنه قال: "بك عرفتك وأنت دللتني عليك".
وهذه المعرفة هي من معالي الأمور التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها"، وقد نقل المحقق الواماد كلمة للحكيم" أو ميروس أنه قال: "خير الأمور العالم الحسّي أوساطها، وخير أمور العالم العقلي أفضلها".
وأما تفاصيل ذلك، فهي ما تضمنته سلسلة هذه المحاضرات للشيخ الشهيد مرتضى مطهري، التي ألقاها على طلاب الجامعة الذين تخللت صفوف جمعهم نخبة من الأطباء والمهندسين، وكان موضوع هذه المحاضرات البحث عن الأصل الأول في الدين، وهو التوحيد.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد