-
/ عربي / USD
"اسمي (رحاب) ولدت في الزمن الخطأ، فالناس حولي يتهكمون على مبادئي ويسخرون من أفكاري، فعشت الغربة حتى مع أسرتي، يظن البعض أننا في ألفة؛ لكن الحقيقة قلوبنا شتى، فكل فرد من أخوتي له توجه في الحياة ورؤيا خاصة، فلم نتفق يوماً على قواسم مشتركة، بل نختلف ونتشاجر كلما جمعنا حوار، فأخي الأكبر (مراد) متزمت يحسب أن التدين رهبنة وتصوف قد قرر حينما أطلق لحيته أن يغفل كل منافذ التفكير ويعتزل الحياة، وأختي (شهد) طموحة، سبّاقة إلى الرتب العليا، همها أن تتبوأ مركزاً مرموقاً، فهي كدودة القز تغزل نسجها في صمت وتكتم، وشقيقتي الأخرى (سمر) صنم الجمال المنحوت وفق معايير باريسية، وقفتها الخاشعة أمام المرآة عدة مرات أكدت لي أن الوثنية فكرة لم يستأصلها الصلحاء بعد، فحينما أخاطبها في شأن هام بتحلق بعينين ثلجيتين قائلة: (وجهك يحتاج إلى مسحة مكياج)!!!.
أما مضمون كلامي فهو رذاذ يتطاير مع أثير أنفاسها اللاهث وراء صيحات الموضة، وأصغر أخوتي (عصام) ذو تفكير علماني مجدد، يصدمني بآرائه المتناقضة، فهو ملمّ بمذاهب آلهة الغرب (سارتر، تومبي، جان جاك روسو) أكثر من أصول دينية وعادات مجتمعه.
نحن نشكل مزيجاً فكرياً غير متجانس، ويمكن أن نخلق بعضاً من التوافق والتخصيب الحذر لرؤانا لو كنا نمتلك شيئاً من المرونة، أما وأن الأفكار متنافرة؛ فإن صدامنا حتمي كلما اجتمعنا على مائدة الطعام، وكنت أكثرهم رهافة وعمقاً، أبحث عن ذاتي في خضم هذا الطوفان، وأشعر بالحاجة إلى إنسان يشاطرني مبادئي ويغوص في منابت، وحي ليلتقط الجواهر المخبوءة، إنسان يفهمني ويستوعب حجمي وأنا أكبر بتطلعاتي الشاهقة، حاولت أن أعزز بعضاً من التقارب مع أخوتي، لكني لم أجد إلا الفواصل والتقاطعات القهرية التي تفرض علينا مسارات متضادة".
رحاب تلك الطلة المحورية والراوية، هي امرأة تشكل نموذجاً للمرأة الزهرية التي تجسد العطاء والتفاعل الإيجابي في مجتمعها الدراسي والأسري؛ فهي، وكما تتحدث عن نفسها، الرمز الباذخ للمشاعر والعواطف الإيجابية عبر أطوار حياتها المختلفة، وحتى زواجها من (خليل) الذي أصبح شريك حياتها، لم يكن كما تحلم، إذ هي كثيرة الصدامات التي كانت تحدث بينهما بسبب سوء التفاهم، وذلك لعدم فهم كلٍّ منهما الآخر، وبالتالي لعدم إستيعاب مكونات بعضهما، على رغم وجود حب كبير بينهما، وحسن النية، إلا أن ذلك كله لم يمنع مخاطبة كل منهما الآخر وفق طبيعته الحاضرة.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أن الكاتبة استغلت تلك المشاهد الخلافية، لتكون بمثابة محطة تناقش فيها موقف كلٍّ من الزوجين، مبرزة مكامن الخطأ لدى كل واحد منهما، وذلك من خلال تدعيمها لما ذهبت إليه من تنبيهات ونصائح بنظرية علمية، تلفت من خلالها نظر الزوجة (أي زوجة) لطريقة تعاملك مع الرجل، على إفتراض أنها نصائح تتقدم بها (أم) الزوجة رحاب، لتذكر ابنتها أن عليها أن يقيّم المواقف بشكل موضوعي.
وقد جاءت هذه القصة على شكل مذكرات، حيث توثق رحاب يومياتها ومواقف حياتها بشكل توجيهي للنساء المتزوجات اللاتي يقعن في ذات الإشكالية، وصياغة النظريات بشكل يتناغم وأحداث القصة، هذا وأن هذه القصة تزخر بقضايا كثيرة تهم الفتيات والنساء على حدٍ سواء، كمشاعر الحب وماهيته، طبائع الرجال، العلاقة الحميمة، لغة الإنسجام بين الزوجين، أسباب الشجار، الغيرة، الشك، البرود العاطفي، الشوق، الخلافات الزوجية، الإحتياجات العاطفية للزوجين... إلى ما هنالك من قضايا تدخل في عمق العلاقات الزوجية.
وأخيراً... يمكن القول بأن هذه القصة مثلت بالمشاعر الإنسانية، ثم تحليلها بشكل علمي وموضوعي وواقعي، وإن ما ورد فيها من إشكاليات وقضايا تأتي لتساهم في مساعدة المرأة على فهم حقيقة وطبائع زوجها، وكيف توظف لغة الحب بذكاء لتصبح قادرة على فهمه بشكل أعمق وأدق.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد