-
/ عربي / USD
أنا سليم الصابري طالب مزمن، لا في معهد من المعاهد، وإنما في كلية الحياة التي لا أدري متى أتخرج منها، أجدني على الدوام دارساً متدارساً من غير أن أستقر على نهاية، كلّ شيء من إنتاجي أؤجله؛ ليقيني الكسول بأنني لم أتهيأ بعد التهيؤ الكافي لإستيعابه وتقديمه والدفاع عنه.
هناك أمور كثيرة كان يمكنني أن أشرع فيها وأنجزها في موعدها المحدد، ولكنها تتلاطم مع أمور أخرى تتخذ مكانها في الأسبقية والأهمية، فتنسحب تلك إلى مكانة ثانوية، ويُسدل عليها ستار داكن من النسيان المديد، إنني أزحف نحو الخمسين بخطوات سريعة جداً، ولكنني حين أتأملها جيداً أجدها كالفلم الذي يجري إبطاء الحركة في بعض مقاطعه، وتصبح تلك الخطوات المتسارعة كدبيب النمل، كسير السلحفاة، كورود فكرة المغفرة لدى طاغية دموي، خطوات بعيدة بعضها عن الأخرى، مملة في فقدانها للشحنة الحياتية، أراها أمامي في هذا الفلم المعاد لديّ في اليقظة وفي المنام، خطوات كسلى مع أن الناس يقولون ما أشد نشاطه، وما أكثر حرصه على الزمن: آه، الزمن الذي بذرته أكثر ما بذرت مع أنني شديد التبذير في كل الأمور الأخرى، شديد التبذير في الكلام دون الفعل، شديد التبذير في النقود التي اشتري بها كل شيء يعجبني بوحي اللحظة، واللحظة لا تدوم، وهذا "الكل شيء" يقبع عندي أحياناً في ركن من أركان البيت الذي أكون فيه شهوراً وسنوات حتى يفقد كل مزية من مزايا طرافته وكونه يتلوى بالحياة.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد