-
/ عربي / USD
منذ سنوات يشجعني بعض الأصدقاء على ضرورة أن تكون أعمالي الشعرية مطبوعة كي تتوفر للمتابعين والمهتمين بغض النظر عن اختلاف رؤاهم ودوافعهم وحساسياتهم الجمالية والفكرية أو ندرة اكتراثهم بالشعر. كان جوابي دائما، بإيماءة إيجابية خجولة دفعا للإحراج، لكن أعماقي ترد بعكس ذلك، فمرة بالتملص وأخرى بخلق الأعذار من قبيل، أن الوقت غير مناسب أو أن تجربتي تحتاج إلى مزيد من الإضافات الجديدة وبعدها سنفكر في الموضوع. كل عمل فني حقيقي لن ينتهي مطلقا حتى لو رحل صاحبه، لأنه سيجد قناة أو أكثر للتواصل من خلالها حتى لو خضع لزحمة الأحداث المتشابكة التي لا ترحم. بيد أن حذري من وضع تجربتي الشعرية على المحك هو السبب الأساس على ما يبدو لترددي.
لا أريد أن أسجن مسيرتي داخل إطار «الأعمال الشعرية» المطبوعة. كل شيء مفتوح على كافة الاحتمالات. خاصّة أنّ طريقتي في التعامل مع القصيدة يعتمد على فكرة أنني مبتكرها وبالتالي فمن حقي إعادة قراءتها زمنيا ومتى أشاء بيد أن نشرها سيمنعني من ممارسة طقسي المعتاد. كل تلك الأسباب مجتمعة لم تصمد أمام مقاومة الشعور بمكر الزمن وسيولته من جهة، وبمغريات أن ترى ما خطه اليراعُ متجسدا أمامك وأنت على قيد الحياة من جهة أخرى. وهكذا أخذ هذان العنصران يلحّان عليّ بغية وضع حد لترددي، ورسم معالم التجربة بإزاحة عبء ما هو منجز أساسا من خلال تركه عاريا في نهر الشعر العظيم، لعله يثبت لنفسه قبل سواه مقدار قيمته من عدمها، وإصراره على مواصلة السباحة ولو بزورق صغير. أليس الشعر مَركبا يجذّف وحيدا وسط الأمواج؟
بعد استشارة من أعتز بتجربتهم وتوفر إمكانية التواصل السريع معهم، اخترت ترتيب الدواوين تراجعيا، أي بوضع آخر ديوان غير منشور «لا يُشبه نفسَه» أولا ليصير ما قبله ثانيا وهكذا، وصولا إلى الديوان الأول المنشور بالعربية «فراديس– أيائل وعساكر» الذي هو عبارة عن أربعة دواوين في واحد. بما أنّ مجموعة «لا يشبه نفسه» الشعرية غير مكتملة وفي طور السيرورة فهي بشارة بتواصل لا انقطاع، وتشبث هذه التجربة بعدم اكتمالها كَيْ تتسع وتغتني، لأنّ العمل الفني مهما كان عظيما لا يمكنه أن يكتمل. إذاً، هي أعمال شعرية في طريقها إلى النضج لا الكمال، ومن الأفضل أن يبقى مصيرها مشرعا للرياح.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد