المجموعة التي بين يديك أيها القارئ مؤلفة من أكثر من ثلاث وثمانين وثلاثمئة مثل بغدادي عامي بقصصها التي تكشف لك عن تجارب عصرية مازال معظمها متداولاً مسموعاً بين البغداديين. وهي أمثال قال عنها جامعها ومؤلفها الدكتور محمد صادق زلزلة بأنها "مما سمعه من الأفواه، لا مما قرأه من كتب الأمثال"، وإذا كانت هذه الأمثال عامية في لغتها، فلأنها تمتاز بالواقعية المنتزعة من صميم حياة بغداد دونما تكلف واصطناع، وقد استطاع الدكتور محمد صادق زلزلة أن يسكبها بديباجته البديعة، وإطلاعه الواسع، وثقافته الأدبية والتراثية الجمة، وروح النكتة اللاذعة التي تتخلل قصصها، رونقاً وماءً، فاستحقت الأمثال أن تقرأ وتستعاد قصصها في كشفها عن بعض أسرار النفس الإنسانية في خضم صراعها مع ظروف الحياة ومفارقاتها المتباينة الكثيرة!
هي صور تعبيرية مكثفة.. فيها خيال ودعابة، فيها أساطير ورموز، فيها واقع وفكر، فيها حقيقة ومبالغة، فيها حس ووجدان، فيها آمال وطموح، وفيها حسرة ودموع. تلك هي صور الحياة البغدادية كما نراها في هذه الأمثال البغدادية، والتي تؤلف في ذاتها، مصدراً مهماً من مصادر دراسة تراثنا وأدبنا الشعبي المعاصر، نظراً لما يتمتع به هذا الأدب من واقعية، وطبع نقي صاف بعيد عن الزيف وافتعال التجربة، يكشف عن خلجات نفوسنا ويسبر أغوارها النفسية العميقة.