-
/ عربي / USD
أنتج الفقهاء ثروة فقهية عبر مسار البحث الفقهي، وقلّما التفتوا إلى الوراء ليعيدوا النظر في تاريخ تراثهم، إلا بمقدار ما يقتضيه النظر الفقهي من مناقشة لقول أو تحرٍّ لإنعقاد إجماع أو تشكيك في دعوى إنعقاده، وتوفّرت الدواعي العلمية وغيرها للبحث في تاريخ الفقهاء أنفسهم بقصد التعريف بهم.
لهذا السبب أو ذاك؛ فظهر ما يُعرف بعلم طبقات الفقهاء، أما فعل التأريخ للفقه كعلم مستقلٍّ، فقد بقي حتى الآن بكراً لم يُطرق على الرغم من عدم إنعدام بعض المحاولات الجادّة ولو الخجولة وهذه الصورة تعمّ الفقه الإسلامي كله وتنطبق على الفقه الإمامي بوضوح قلّ أو أكثر.
وإذا كانت الحاجة موجودة للبحث في تاريخ الفقه كله، فإن الحاجة إلى الكشف عن الصفحات الأولى من مسيرة الحركة الفقهية الإمامية أكبر؛ ولكن ثمة مشكلات تحول دون الإضاءة على كامل تفاصيل تلك المرحلة، أهمها عدم توفّر المعلومات بالمقدار الكافي لأسباب عدّة، منها ضياع جزء من التراث الفقهي، ومنها إنصراف الفقهاء إلى العمل الفقهي وقلّه إهتمامهم ببذل الجهد في مجال التأريخ للفقه والفقهاء.
إنطلاقاً من هذه الإشكالية يأتي هذا الكتاب "نشأة الفقه الإمامي ومدارسه" الذي هو محاولة من المحاولات القليلة المعاصرة في هذا المجال، وقد بذل الباحث جهداً في دراسته هذه والتي شملت أبواباً أربعة تناول من خلالها حركة الفكر الإمامي إنطلاقاً من الشريعة بإتجاه الفقه؛ الشريعة بوصفها التشريع الرباني الذي لا مبدّل لها من حيث المبدأ.
والفقه؛ بإعتباره حصيلة الجهد البشري إجتهاداً وإستنباطاً وتفصيلاً وتنفيذاً للشريعة وللسنة وللحديث، بوصفها مصادر الفقيه لإستنباط الفقه / الفتوى، وهي حركة اقتضت جهود أجيال من النخبة المفكرة، مضت تبني وتعلي البناء، وكأنها في عملها تستهدي بخطة محكمة؛ بل هي بالفعل كذلك.
المهم أن تلك الحركة ما تزال عالقة وستبقى إن شاء الله في علاقة حيّة، مع بيئتها ومقتضياتها.
وعليه، فقد سعى الباحث من خلال دراسته هذه إلى رصد حركة الفكر الذي مضى يستولد الفقه في مدارسه الأساسية الأربعة: قم، فبغداد، فالحلة، فجبل عامل.
وعليه تم تقسيم هذه الدراسة إلى أربعة أبواب: تم تخصيص الأول منها للحركة الأولى؛ أي قُم ومداها الحيوي في إيران وما وراء النهر، بينما تناول الباحث في الأبواب الباقية المدارس الفقهية والتي في كلٍّ من مدرسة بغداد، مدرسة الحلة، مدرسة جبل عامل.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد