إن من أعظم نعم الله تعالى على عبده أن يوفقه للفقه في دينه، ولا يتأتى ذلك إلا بطلبه، والإجتهاد في تحصيله بالطرق السليمة، والسبل المستقيمة؛ بأخذه عن أصله؛ إما مباشرة، أو من خلال كتبهم ومؤلفاتهم الموروثة عنهم.فقد منّ الله عزّ وجلّ على المسلمين بعلماء أفنوا أعمارهم في نشر الدين...
إن من أعظم نعم الله تعالى على عبده أن يوفقه للفقه في دينه، ولا يتأتى ذلك إلا بطلبه، والإجتهاد في تحصيله بالطرق السليمة، والسبل المستقيمة؛ بأخذه عن أصله؛ إما مباشرة، أو من خلال كتبهم ومؤلفاتهم الموروثة عنهم. فقد منّ الله عزّ وجلّ على المسلمين بعلماء أفنوا أعمارهم في نشر الدين وبيانه باللسان والبنان، فكتبوا في علوم الدين وفنونه المختصرات والمطولات، والشروح والتعليقات، وأثرّوا المكتبة الإسلامية بصنوف من المصنفات النافعة، وإن من تلك المصنفات النافعة التي قلّ نظيرها؛ كتاب شيخ الحنابلة في زمانه القاضي أبو يعلي محمد بن الحسين الغراء المتوفي سنة 408هـ، كتابه "التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمة"، والذي كان يُظنّ أنه من المفقودات، حتى اكتشف منه أجزاء متفرقة، حُقق بعضها، وبقي هذا الجزء لم يُهتدَ إليه، ولم يُدرَ عنه أنه موجود؛ بل كان يُظَن أنه من أجزاء الكتاب المفقودة، حتى من كَتَبَ عن المذهب الحنبلي ومخطوطاته، ذكر الأجزاء التي تم تحقيقها فيما بعد، ولم يتعرض لهذا الجزء بذكر، ظنّاً منه أنه من المفقودات، وذلك ما دفع المحقق إلى الإهتمام بهذا الجزء بتحقيقه، ليكون ذلك بمثابة رسالة لنيله درجة الدكتوراه، ويكون بعمله هذا قد قدم فائدة كبيرة لأهل العلم. هذا وتبرز أهمية موضوع هذه الدراسة والتحقيق من عدة جهات، الأولى: أنه جزء من سفر عظيم، تصدّى فيه مؤلفه لذكر الخلاف في المسائل التي يعرضها بين أئمة المذاهب الأربعة، وغيرهم، فجمع فيه من المسائل الشيء العظيم، الثانية: أن مؤلفه متقدم في زمانه، وله المكانة العلمية التي لا تخفى، حيث انتهت إليه رئاسة المذهب الحنبلي في وقته، فكان لترجيحاته، وآرائه، ونقولاته شأن كبير، الثالثة: أهمية هذا الكتاب، وذلك من وجوه: 1-حرص العلماء من قديم الزمان على إقتناء هذا الكتاب، والثناء عليه، 2-إستفادة أهل العلم منه، والإحالة عليه، فقلّ أن تجد كتاباً من كتب الحنابلة ممن عُنيت بالخلاف إلا وفي مقدمة الكتب التي نَقَل عنها العلم كتاب "التعليق الكبير"، 3-توصية أهل العلم به، والإرشاد إليه؛ فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن معرفة المذهب في مسائلَ، الخلافُ فيها مطلق في "الكافي" و"المحرر" و"المقنع" و"الرعاية"، وغيرها، فقال: (طالب العلم يمكنه معرفة ذلك من كتب أُخَر، مثل كتاب "التعليق" للقاضي، و"الإنتصار" لأبي الخطاب... وغير ذلك من الكتب الكبار التي يُذكر فيها مسائل الخلاف، ويذكر فيها الراجح)، 4-إعتناء العلماء بتلخيص الكتاب، وهذا دليل على أهميته، 5-إعتناء أهل العلم بتخريج أحاديثه، والحكم عليها، فقد اعتنى بتخريج أحاديثه، وبيان حكمها: ابن الجوزي في كتابه: "التحقيق في أحاديث التعليق"، الرابعة: لأن مؤلفه تناول فيه بعض أحكام الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد التوحيد، وأن الجزء الذي تناوله المحقق بالتحقيق والدراسة يبدأ من أول مسألة الترتيب بين الصلوات مع سعة وقت الحاضرة، وحتى نهاية مسائل صلاة الجمعة. وجاءت خطة البحث على النحو التالي: اشتمل هذا العمل على قسمين: القسم الأول، وهو القسم الدراسي، وقد تضمن: المقدمة، والتمهيد، وبيان المنهج المتّبع في التحقيق، اشتملت المقدمة على بيان أهمية الموضوع، وأسباب اختيار الباحث لهذا الكتاب، وأهدافه، والدراسات السابقة، وخطة البحث، ثانياً: التمهيد وشمل التعريف بالمؤلف وترجمة له، ثم التعريف بالكتاب. أما القسم الثاني لهذا الكتاب فقد اشتمل على النص المحقق، حيث جاءت عملية التحقيق فيه على النحو التالي: 1-إخراج نص الكتاب على أقرب صورة وضعها عليه المؤلف، 2-ربط الكتاب بمصادره التي استفاد منها المؤلف إستفادة مباشرة، 3-توثيق الآراء التي ذكرها المؤلف من مصادرها مع الإشارة إلى ما أغفله المؤلف منها، 4-عزو الروايات التي ينقلها المؤلف عن أئمة المذاهب إلى مصادرها المعتبرة، 5-التنبيه على الأخطاء العقدية حين ورودها، 6-عزو الآيات إلى سورها، والإشارة إلى المعنى عند الحاجة، 7-تخريج الأحاديث الواردة في الكتاب، وبنقل حكم أهل الفن عليها، وما لم تكن في "الصحيحيين" أو أحدهما، 8-تخريج الآثارة الواردة في الكتاب وعزو الأشعار إلى قائليها، وشرح المفردات اللغوية والفقهية والأصولية والحديثية الغريبة الواردة، مترجمة للأعلام والأئمة الأربعة ثم التعريف بالطوائف والفرق والمذاهب والمدن والمواضع والبلدان، التنبيه على الأخطاء اللغوية والنحوية وأخيراً إغناء الكتاب بالفهارس العامة.