إن من كمال حفظ الله تعالى للسنّة النبوية أن هيأ لها من قام بشرح غريب ألفاظها، بخاصة بعد إنتشار الفتوحات الإسلامية، ودخول الكثير من الأعاجم في الإسلام، وإختلاطهم بالعرب، وفشو اللحن.وقد عبّر الخطّابي عن هذا بقوله: "ثم إن الحديث لمّا ذهب أعلامُه بإنقراض القرون الثلاثة،...

إن من كمال حفظ الله تعالى للسنّة النبوية أن هيأ لها من قام بشرح غريب ألفاظها، بخاصة بعد إنتشار الفتوحات الإسلامية، ودخول الكثير من الأعاجم في الإسلام، وإختلاطهم بالعرب، وفشو اللحن.
وقد عبّر الخطّابي عن هذا بقوله: "ثم إن الحديث لمّا ذهب أعلامُه بإنقراض القرون الثلاثة، واستأخر به الزمان، فتناقلته أيدي العجم، وكثُرت الرواة، وقلّ منهم الدُّعاة، وفشا اللحسن، وترنت الألسن اللَّكن، رأى أولو الأبصار والعقول، والذابّون عن حريم الرسول الله صلى الله عليه وسلم أن من الوثيقة في الدين، والنصيحة لجماعة المسلمين أن يُعنوا بجمع الغريب من ألفاظه... وتفسير المشكل من معانيه... فكان أول من سبق إليه ودلّ من بعده عليه أبو عبيدة القاسم بن سلاّم، فإنه قد انتظم بتصنيفه عامةُ ما يُحتاج إلى تفسيره من مشاهير غريب الحديث، فصار كتابه إماماً لأهل الحديث، به يتذاكرون، وإليه يتحاكمون".
هذا وإن من العلماء الذين اعتنوا بــ"غريب أبي عبيد"، أبو علي الإستراباذيّ، والذي قام بإختصاره عن الأسانيد، وما تكرّر فيه من الألفاظ والأخبار ليَسهُل حفظه، ولا يصعب ضبطه، وإن من قاموا بإختصار هذا الكتاب، تنوعت أغراضهم؛ فمنهم من قصد المعاني الفقهية والمقاصد الشرعية، ومنهم من قصد العربية والألفاظ اللغوية، فجمع بينهما؛ ليكون أجمعَ فوائد، وأكثر منافع.
وإلى هذا، فإن أهمية هذا الكتاب تأتي من أهمية أصله، والذي لا يقتصر على ذكر غريب الأحاديث النبوية فقط؛ وإنما تعدّاها إلى غيرها من آثار للصحابة والتابعين، كما أنه عني بذكر الشواهد المناسبة من أحاديث وآثار وأشعار.
وبالإشارة إلى المؤلف، فهو الحسن بن أحمد الإسْتراباذيّ، أبو عليّ، النحوي، اللغوي، الأديب... له من التصانيف "شرح الفصيح"، و"شرح الحماسة"، و"مختصر غريب الحديث" لأبي عبيد القاسم بن سَلاّم، والذي هو بين يدي القارئ، وكتاب "محنة الأديب"؛ أما منهاجه، فقد اتبع أبو علي أبا عبيدة في تقسيم كتابه إلى أربعة أقسام: القسم الأول: ذكر فيه الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، القسم الثاني: ذكر فيه الأحاديث الموقوفة على الصحابة رضي الله عنهم، فذكر أحاديث كلّ صحابي على حدة، ورتّبها، فذكر أولاً أحاديث الخلفاء الراشدين، ثم اتبعهم بذكر بقيّة العشرة المبشّرة بالجنة، ثم بقية الصحابة، ثم أحاديث الصحابيات، مقدّماً زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، القسم الثالث: ذكر فيه الآثار المروية عن التابعين.
أما القسم الرابع فقد ذكر فيه أحاديث لا يُعرف أصحابها، أما طريقة شرح غريب الألفاظ فتتلخص بما يلي: 1-إيراد متن الحديث أو الأثر المراد ببيان لفظٍ غريبٍ فيه، 2-ذكر اللفظ المراد شرحه، مع بيان معناه من خلال أقوال أهل اللغة، 3-الإستشهاد على ما ذكر بحديث أو أثر أو شعر.
هذا وقد تجلَّى منهج إختصار المصنف في كتابه هذا من خلال عدة أمور، وهي: تجريد الأحاديث عن الأسانيد، حذف ما تكرر من الألفاظ والأخبار، الجمع بين المعاني الفقهية والألفاظ اللغوية والتي حواها كتاب أبي عُبَيْد، إضافة إلى بعض الفوائد والنكات على ندرة.
أما منهج التحقيق فقد جاء على الشكل التالي: 1-نسخ الأصل المخطوط، بالإعتماد على النسخة الخطية المحفوظة في مكتبة الدولة بمدينة برلين في ألمانيا، 2-معارضة المنسوخ على الأصل التأكد من صحّة النص وسلامته، 3-ضبط النص وتفصيله وتزيينه بعلامات الترقيم، 4-تصويب الأخطاء والتصحيفات التي وقعت في النسخة الخطية، مع التنبيه على ذلك، وإضافة ما يلزم لتصحيح ووصفه بين معكوفتين، 5-عزو الآيات القرآنية الكريمة إلى مواضعها، 6-إضافة المادة اللغوية للألفاظ المشروحة وترقيمها، 7-ترقيم الشواهد الشعرية مع ذكر البحر، 8-تخريج الأحاديث النبوية والآثار المروية من مصادرها، 9-كتابة مقدمة للكتاب تتضمن ترجمة للمؤلف، مع بيان منهجه في الكتاب وذكر مصادره، 10-تذييل الكتاب بفهارس علمية لآيات القرآن الكريم، وللأحاديث النبوية، وللآثار والأشعار والأمثال وللمواد اللغوية وللأعلام وأخيراً فهرساً للمصادر والمراجع وآخر الموضوعات.