التكييف هو ميدان الأصولي، وساحة المجتهد، وحلبة الفقيه المستنبط، وهو له أثره البالغ في الأحكام والنوازل. ومن خلال هذه الذخائر العلمية في التراث الأصول حول التكييف، وهذا السيل الهائل من المستجدات التي لا تتمهل، والمتغيرات والنوازل التي لا تتّئيد، بل تتعجّل، كان لا بد من...
التكييف هو ميدان الأصولي، وساحة المجتهد، وحلبة الفقيه المستنبط، وهو له أثره البالغ في الأحكام والنوازل. ومن خلال هذه الذخائر العلمية في التراث الأصول حول التكييف، وهذا السيل الهائل من المستجدات التي لا تتمهل، والمتغيرات والنوازل التي لا تتّئيد، بل تتعجّل، كان لا بد من عناية الباحثين بهذا النوع من البحوث جمعاً بين الأصالة والمعاصرة، والتجديد والمواكبة، في دراسات علمية فوصلة، تعنى بالتكييف وتحديده، ورصد آثاره وتطبيقاته في القضايا المعاصرة. ولعل مساحة الإجتهاد وما فيها من مناهج متعددة للمجتهدين، وبيان العلل والحكم والمناطات وميدان القياس الصحيح، والإستحسان السليم المنضبطة وضوابط الشرع، هو الأرضية الخصبة للمجتهد في التكييف إتقاناً للأصول والفروع والكليات والجزئيات، وفي الجملة فضبط باب القياس الشرعي الصحيح هو طلبة المجتهد الأولى في قضية التكييف المعتبر. من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يمثل مفتاحاً لبحوث ودراسات مستفيضة في هذا المجال الرحب، فالميدان لا يزال متعطشاً لهذا النوع من البحوث والدراسات، إذ يذكر المؤلف أنه لم يطّلع - فيما وقف عليه من أبحاث - على من افرد هذه المسألة ببحث مستقل. ولعل هذا الكتاب يسدّ هذه الثغرة لتتلوه أعمال وجهود أخرى في هذا المجال. وحيث أن النوازل لا تنحصر والوقائع تتجدد ولا تخسر، لذلك اكتفى المؤلف بنماذج معينة في بعض قضايا الأصول المهمة، التي لها علاقة ماسة بالتكييف، وبعض النوازل المتعددة في المجالات المختلفة، التي يمكن تطبيقها عليها، وصولاً إلى التكييف الصحيح والتنزيل المعتبر لهذه النوازل على المسائل والأدلة الأصولية، ويجري حكم نظائرها عليها. هذا وقد جمع المؤلف بين الصالة والمعاصرة، من حيث إيراده عدداً من النوازل المختلفة في مجالات متعددة، وبيانه المنهج الصحيح في تكييفها أصولياً وفقهياً، بذكره الضوابط المهمة في ذلك ليكون التكييف لهذه النوازل المعاصرة صحيحاً، يقاس عليها غيرها، بالإضافة إلى استثماره ما قذفت به المدنية الحديثة من وسائل: الإتصالات، والتقانات، وشبكات المعلومات، في عملية التكييف الأصولي المعتبر للنوازل المعاصرة، فسدّ بعمله هذا المجال أيام الأدعياء والمتعالين، الذين يخوضون في نوازل العصر، وتكييفها دون منهجية صحيحة، ولا ضوابط معتبرة. هذا وقد انتظم الكتاب في مقدمة وتمهيد وفصلين وخاتمة شملت المقدمة أهمية الموضوع وأسباب اختياره، وخطة الكتاب ومنهجه وشمل التمهيد التعريف بمفردات الكتاب؛ وقد شمل مبحثين الأول منها دار حول التكييف الأصولي (تعريفه، شروطه، أقسامه، مسالكه) وتضمن الثاني البحث في النوازل (تعريفها، أنواعها، أسباب وقوعها). أما الفصل الأول فقد تضمن الحديث عن التكييف الأصولي للنوازل وقد تضمن خمسة مباحث (1- مراعاة الإختلاف الأصولين 2- الإجتهاد، 3- إمكانية الإجماع، 4- الإفتاء والإستفتاء، 5- التقليد). وتم تخصيص الفصل الثاني لمعالجة عدد من النوازل وقد جاء بمثابة دراسة تطبيقية في هذا المجال وشمل ستة مباحث (1- النازلة الأولى: حكم الصلاة والصيام في المناطق التي يطول فيها النهار أو الليل أو يقصران، 2- النازلة الثانية: المفطرات المعاصرة، 3- النازلة الثالثة: التأجير المنتهي بالتمليك، 4- النازلة الرابعة: عمليات الإبداع المصرفية، 5- النازلة الخامسة: الأعمال الإرهابية، 6- النازلة السادسة: القضايا المتعلقة بصيانة المرأة). وأخيراً جاءت الخاتمة لتشمل أهم النتائج والتوصيات. هذا وقد سار المؤلف في بحثه هذا وفق المنهج العلمي من حيث التوثيق والغرو والأصالة.