لقد شرعَ الإسلام أحكاماً تجري على سبيل العدل، وسارت الأمةُ في مراحلها التاريخيَّةِ المشرِّفةِ على تنفيذها، فتلقَّت الثناء عليها وحسن الذكر، وتعاضدت يد الحُكَّام مع آراء الأئمـة الأعلام على الحق، مما نـشر الفضيلةَ وأقام للحق دولةً، وأنشأ حضارةً أساسُها الإيمان، وركنها...
لقد شرعَ الإسلام أحكاماً تجري على سبيل العدل، وسارت الأمةُ في مراحلها التاريخيَّةِ المشرِّفةِ على تنفيذها، فتلقَّت الثناء عليها وحسن الذكر، وتعاضدت يد الحُكَّام مع آراء الأئمـة الأعلام على الحق، مما نـشر الفضيلةَ وأقام للحق دولةً، وأنشأ حضارةً أساسُها الإيمان، وركنها العدل والإنصاف. ولقد بنت الشريعة الإسلامية أحكامها على أسس منطقية، تنسجم تمامَ الانسجام مع الفطرة الإنسـانية، فهي مدنيةٌ في تركيبها (العام)، عقديةٌ في جذورها، تضفي على الناس عدلاً، وتمنح للحق قـوةً. من هنا كان منطلق البحث الذي جهدتُ في الدرس من أجلـه، وإنَّ مطمحَ الهممِ غايةٌ وثوابٌ وراء هذه الحياة الطبيعية، ف(الردَّة) كلمةٌ لها مدلولها الشَّرعي المتميز في الإسلام، وحساسيةُ البحثِ في موضـوعها، والخـوضُ في أحكامها، فهي من الخطـورة بمكان؛ لأنها ذات مدلولٍ ديني عقدي، وذات مدلول شرعي قانوني، يرتبط بحياة الإنسان من حيث تعاملُه وعلاقتُه مع المجتمع والأفراد. فالمرتَّد يُحرمُ من المواطَنِـة، أو مـا يسمى بالجنسية في عصرنـا الحاضر، وتبطل تصرفاتُـه، وتُنزع ولايته، ولا يُغسَّل ولا يُكفن، ولا يُصلى عليه ولا يُدفن في مقابر المسـلمين إذا مات على ردته، فليـس له أيُّ حق أعطاه الشـرع للإنسان حال حياته وبعد مماته. وبقدر ما نرى الخطورة والشدة في هذا الحكم، نرى وجوب مراعاة جانب الحذر في تبنِّيه؛ حتى يكون في أضيق نطاق، مع فتح باب التوبة واسعاً أمام المرتد؛ لأن أفراد المجتمع أثمن ما في المجتمع الإسـلامي، وما جاء حكم الردَّة إلا حقاً لهذا المجتمع؛ حتى يبقى عزيز الجانب متماسك الأركان. لذلك غُصْتُ في بطون المراجع الأصلية، واطلعت على المصادر الحديثة، واسـتفدت من الجميع، فجمعت ووازنت، وبيَّنت وجـه الحق فيما أوصلني إليه اجتهادي، وعرضت آراء الفقهاء من مصادرها الأصلية، وقارنت بينها، ووفَّقت، وناقشت، ورجحت أحياناً، ومن ناحيـة أخرى، جعلت للقانون الوضعي نصيباً ليس بالقليل من هذه الدراسة، فقد أجريت كثيراً من الموازنات بين الشريعة الإسلاميـة والقانون الوضعي فيما يَخص الدراسة المقدمة بين يدينا، فبينت وجوه الاختلاف. ولقد سرت في إعداد الأطروحة على الخطة التالية: رتبت البحث على تمهيد، وبابين، وخاتمة. وبدأت بالمقدمة التي بيَّنت فيها أهمية الموضوع، والصعوبات التي واجهتني فيه، وخطة البحث التي سرت عليها. التمهيد: عرَّفت فيه الردَّة لغةً، واصطلاحاً، وفي القانون، وبيَّنت موقع الردَّة من الشريعة والقانون. الباب الأول: تحدثت فيه عن ردة الدار، وضوابط الارتداد، الباب الثاني: تناولت فيه بالبحث تبني العلمانية وحرية إطلاق المذاهب المناقضة للإسلام، الخاتمـة: وبينت فيها الجديد في البحث، وأهم النتائـج التي وصلت إليها من خلال البحث، والتوصيات.