إنّ علم (النحو) هو عماد اللغة العربيّة وواسطة عقدها وقاعدة منارتها، علم شريف نشأ لفهم كتـاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولمحاربة اللحْن، وتقويم اللسان العربيّ، ومن أجل ذلك أخذ العلماء منذ بداية عصر التدوين يؤلّفون في هذا العلم، واختلفت مؤلّفاتهم طولاً وقصرًا...
إنّ علم (النحو) هو عماد اللغة العربيّة وواسطة عقدها وقاعدة منارتها، علم شريف نشأ لفهم كتـاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولمحاربة اللحْن، وتقويم اللسان العربيّ، ومن أجل ذلك أخذ العلماء منذ بداية عصر التدوين يؤلّفون في هذا العلم، واختلفت مؤلّفاتهم طولاً وقصرًا وصعوبة وسهولة، وكلّما تقدّم بنا الزمان وابتعدنا عن الفصاحة والبيان، نجد علماءنـا ـ رحمهم الله ـ يضعون تصانيـف أكثر سهولة واختصارًا؛ ترغيبًا في العلم وتسهيلاً للفهم. ولعلّ المقدّمة (الجرُّوميَّة) لمحمّد بن آجرّوم الصُّنهاجيّ (ت723ﻫ) كانت من أشهر مختصرات النحو وأكثرها شيوعًا، فقد كانت كافية جامعة ومباركة نافعة، اقتصر فيها مؤلّفها ـ رحمه الله ـ على الأبواب الأساسيّة التي تكفي الناشئة في تعرّفهم على مقوّمات النطق السديد بالعرّبية. ولقد حظيت (الجرُّوميَّة) باهتمام العلماء على مرّ العصور بين شارح ومتمّم وناظم ومعرب ومترجم، وتجاوز عدد شروح (الجرُّوميَّة) المئة والخمسين شرحًا. ومن العلمـاء الذين اهتمّوا بهذه المقدّمة الشيخ محمد بن إسماعيل الراعي الغرنـاطيّ (ت853ﻫ) حيـث وضع عليهـا أكثر من شرح، من بينهـا شرحـه هذا الموسوم بـ (المستقلّ بالمفهومّية في حلّ ألفاظ الجرّوميّـة) وقد وقفت لأوّل مرّة على نسختين منه بالمكتبة الوطنيّة بالجمهوريّة التونسيّة، ثمّ عثرت على نسخة منه في مكتبة مركز جهاد الليبيّين بطرابلس، ثمّ وجدت نسخـة رابعـة منه في المكتبة الوطنيّة الجزائريّة، ثمّ أُخبرت أنّ هناك نسخة خامسة منه بمكتبة الإسكندريّة مصوّرة عن نسخة مكتبة الإسكوريال بإسبانيا، ونسخة سادسة بدار الكتب المصريّة فاجتهدت في طلبهما حتّى وفّقت إلى ذلك( ). وإسهامًا في إحياء تراث أمّتنا العربيّة ونشر كنوز ثقافتنا الإسلاميّة، وخدمةً متواضعـة في إثراء المكتبة اللغويّـة، وإجلالاً لهذا الكتاب الشامل وتقديرًا ووفاء لمصنّفه العالم العامل استعنت بالله ـ تعالى ـ وبدأت تحقيق الكتاب، ودرسته هو ومؤلّفه دراسة وافية في مبحثين على النحو الآتي: المبحث الأوّل: أفردتـه للتعريـف بالراعـي (سيرتـه، وآثـاره، ومكانتـه العلميّة). والمبحث الثاني: جعلته للتعريف بكتاب (المستقلّ بالمفهومّية) وتحدّثت في هذا المبحث عن: اسم الكتاب، ونسبتـه إلى مؤلّفـه، وسبب تأليفه، وتاريخ تأليفه، وموضوعه وقيمته، ومنهج المؤلّف، وأسلوبه، وموقفه من الشيخ ابن آجرّوم ومن كتابه، وفوائده وتنبيهاتـه، وآرائـه، ومذهبـه النحويّ، وموقفـه من السمـاع والقياس، وإشارته إلى بعض اللغات، وشرحه بعض المصطلحات النحويّة، وشرحه غريب ألفاظ الشعر، وشواهد الكتاب، وسبب عدم استشهاده بالحديث النبويّ، ومصادر الكتاب، والتصريح بأسمـاء من نقل عنهم من القرّاء والشعـراء والعلماء والأعراب، وترجيحه بين آراء العلماء، وبعض المآخذ والملاحظات على الكتاب. وأمّا قسم التحقيق فقسمته ـ أيضًا ـ على قسمين: القسم الأوّل: شمل وصف نسخ الكتاب، والمنهج المعتمد في التحقيق. والقسم الثاني: شمل النصّ المحقّق. ثـمّ ذيّلت النصّ المحقّـق بملـحق تضـمّن متـن (الجرُّوميَّة) برواية الراعي ـ رحمـه الله ـ ليسهل الرجوع إليـه؛ وألحقتـه بالفهارس الفنيّـة؛ لتتمّ الفائـدة من الكتاب.