إن هوية كل أمة تتحدد تبعاً للتصور الذي ترتضيه لنفسها عن الطبيعة وما وراءها، وللعلاقة التي تقيمها بين هذين المستويين، وعادة ما تتشكل المعالم الفكرية لأمة ما عبر فترات متطاولة من الزمن، ويشترك في تشكيلها ظروف متعددة، إذ لا تكاد توجد في تاريخ الفكر فلسفة مستقلة، نشأت بمعزل عن...
إن هوية كل أمة تتحدد تبعاً للتصور الذي ترتضيه لنفسها عن الطبيعة وما وراءها، وللعلاقة التي تقيمها بين هذين المستويين، وعادة ما تتشكل المعالم الفكرية لأمة ما عبر فترات متطاولة من الزمن، ويشترك في تشكيلها ظروف متعددة، إذ لا تكاد توجد في تاريخ الفكر فلسفة مستقلة، نشأت بمعزل عن أي تفاعل مع المعارف والفلسفات السابقة عليها، أو التي نبتت في غير بيئتها، طالما وجدت عوامل للالتقاء والاطلاع بين هذه الفلسفات. ومعلوم أن الحضارة الإسلامية في طابعها العام حضارة نص معصوم، نشأت في أحضان الوحي الإلهي المشكل لمختلف جوانبها الفكرية والعلمية، وتكاملت من خلاله تصوراتها لما يتصل بالطبيعة وما وراءها، غير أن المسلمين تعرفوا على مصادر أخرى لما يتصل بهذين الجانبين، ومن تلك المصادر الفلسفة اليونانية. وقد تزامن اطلاع المسلمين على هذا الجانب مع نشأة علم الكلام، فجاء هذا البحث ليدرس مدى الأثر الذي خلفته الفلسفة اليونانية على أحد العلوم الإسلامية. لقد استخدم الباحث المنهج الاستقرائي للوصول إلى القضايا والأفكار المتشابهة، التي قد تكون محلاً للأثر اليوناني، والمنهج المقارن في مقارنة الآراء الفلسفية والكلامية بعد استقرائها، والمنهج التحليلي للوقوف على مدى التشابه بين الرأي الفلسفي والرأي الكلامي من الناحية الموضوعية، وجاء المنهج النقدي متمماً للمناهج السابقة في ترجيح وجود أثر يوناني في مسألة ما من مسائل علم الكلام أو نفي وجوده أو احتمال ذلك.