بقدر ما يجعل الطريق إلى المجد مختصراً، بقدر ما يعمق هاوي المدرّسي معاني القيم الإنسانية والأخلاقية، مسترسلاً في أبعادها، من خلال أسلوب أدبي رائع ليس سوى: خير الكلام ما قلّ ودلّ، يقدّمها للقارئ، ولِكلّ ذي عقل واعٍ ولبٍّ لنقيّ، هي حكمٌ بالغة، رشح بها قلبٌ يقظ وفكر واسع ورأي سديد، وعقل راجح، لعالم عامل، ومربٍّ كبير، ومفكر راسخ القدم، وسالت من مداد قلمه، لتعبّر عن بصيرة نافذة، وتكشف عن فقه عميق لأبعاد الحياة وآفاقها، وأغوار النفس الإنسانية وإتّساعها، والجسور التي يجدر أنه تجتازها لترقي جسور المجد، وتمتطي سفينة النجاح.
وهي، وإلى هذا، مفاهيم وقيم... في: الإيمان، الأمل والسعادة، الحق، المال، الغرور، المرأة والعلاقات الزوجية، الحياة والموت، النجاح، الحقيقة، تحقيق المكاسب، المحبّة والصداقة، الحضارة، السلطة والطاغوت، الجهاد والحرية، الموازين، إجتناب السوء، التربية الخير، العدل والظلم...
هذه المفاهيم والقيم تمثل واحة... نلجها، نتفيأ ظلال معانيها الرائعة، فتطمئن النفس، وتقرّ العين، ويرقى الحال إلى مرتبة من السموّ الروحي والوجداني، وخاصة عندما يكون المدخل من باب الإيمان، فيقول في هذا: "قال: من أين نبدأ؟ قلت من الله ... قال: إلى أين تنتهي؟ قلت: إلى الله... قال وبينهما بماذا ننشغل: قلت: بالله... قال: أترى أن في ذلك ضمانة لدخول الجنة؟ قلت: ذلك يرجع إلى الله... وعن الفرق بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة يقول: "قف أمام مرآة صافية، وانظر إلى صورتك فيها، ترى ما الفرق بينك وبين تلك الصورة؟ ستقول: إن الفرق هو أنني الحقيقة، وتلك صورتها، وهكذا أمر الدنيا والآخرة، فالدنيا صورة الحياة، أما الآخرة فهي الحيوان لو كان يعلمون.
وعن حقائق الحياة يقول: "حقائق الحياة ثلاث: الأولى - أن العدل لا يشيخ، الثانية: إن الحق لا يتحوّل إلى باطل، الثالثة - أن الخطأ لا يصبح صواباً"، وعن المال يقول: "المال الكثير كالفقر المدقع، كلاهما مفسد لضمير صاحبه"، "جمع المال مقبرة القيم، أما إنفاقه فمزرعتها"، "كلما زاد المال زاد معه همّان: همّ الحفاظ عليه، وهمّ الإستزادة منه"، "المال نصف المشكلة ونصف الحل، ونصف السعادة ونصف الشقاء، ونصف الصلاح ونصف الفساد، ونصف الراحة ونصف التعب، ونصف الخير ونصف الشرّ".
وعن السعادة يقول: "السعيد من يقنع بمطلق المتعة، بدل أن يطلب المتعة المطلقة"، "السعادة لا تهبط عليك من السماء، بل أنت من تزرعها في الأرض"، "من استهدف سعادة نفسه فقط، خسر نفسه ولم يربح السعادة، ومن استهدف إسعاد الآخرين، وربح السعادة والآخرين معاً"، "ازرع بسمة تحصد فرحة... وازرع وردة تحصد سعادة... وازرع فكرة تحصد أمة... وازرع شجاعة تحصد حضارة"، "يمكنك أن تنام وحدك، وأن تأكل وحدك، وأن تسافر وحدك، وأن تمشي وحدك، وأن ترتاح وحدك، ولكن من المستحيل أن تحبّ وحدك".
وعن الحرية يقول: "بعض الحرية لكل الناس، أفضل - بما لا يقاس - من كل الحرية لبعض الناس"، "قيمة الحرية في وجود الإختيار، وقيمة الإختيار في تحمّل المسؤولية، فلا معنى لحرية لا إختيار لصاحبها في إستخدامها، ولا قيمة لإختيار لا يتحمل صاحبه مسؤولية ممارسة الحرية"، "الحرية مسألة شخصية تهم الفرد، ومسألة حضارية تهم البشرية، ومسألة إلهية أرادها الله سبحانه وتعالى للمجتمع، ومن يصادرها إنما يصادر حق الفرد وحق المجتمع وحقّ الله تعالى في وقت واحد".
وعن الأمل يقول: "كل الحقائق الموجودة على الأرض كانت مجرّد آمال في يوم من الأيام"، "الأمل الكاذب مطية الشيطان" تماماً كما كان الشيطان مطيّة الأمل الكاذب"، "من يملك الأمل يملك دائماً سفينة ينفر بها عباب بحر النجاح".
وفي مجال الحكمة يقول: "أنت بين خيارين: إما أن تسيطر على أعصابك وقوداً لك، أو أن تسيطر عليك أعصابك فتصبح أنت وقوداً لها"، "إذا تعبت من السير فلا تقطع المسير، وإذا عجزت عن التقدم فلا تبدأ بالتراجع، فإن لك خيار الإستراحة على قارعة الطريق، قبل المواصلة من جديد".
وعن التشاؤم والتفاؤل يقول: "المتشائم يرى إمتداد الليل، والمتفائل يرى بداية فجره"، وعن الظلم يقول: "مقاومة الظلم ليست بالضرورة نصرة للعدل، فلربما كانت من أجل ظلم آخر"، قطوف هذه الطرق المختصرة إلى المجد لا تنتهي بدائعها... قطوف فلسفية إنسانية... هي بحر من المفاهيم يحتاج إلى سندباد معرفي يخوض في كتابات المدرّسي.
لذا، التوقف هنا، مع هذه المقتطفات الدانية، دنوّ الفهم، بما فيها من مميزات... إلى فهم الحياة وأبعادها، إلى فهم قوانينها، وأناسها... وهلالها... إلى بناءها... إلى السعادة... وأخيراً وليس آخراً امتيازها بالإختصار... وهذا يضع نفسه ضمن إبداع الإختزال والإيجاز والتكثيف.