-
/ عربي / USD
هل جرّبت في يوم من الأيام، أن تنصب مصيدتك لطير تريد أن تصطاده، حبّاً في أكل لحمه، أو اشتياقاً للاحتفاظ به لسماع تغريده؟! ولو أردت أن تجرب ذلك، فماذا ستفعل؟ في البداية ستعمل على تهيئة مصيدتك، وتجعل وترها متوسط الشدّ، ثم تبحث عن طعم مغرٍ للطائر، وتختار المكان المناسب الذي يحبه، مثل كومة من الخوص، تتوسطها عصا تحيس به إذا هلّ عليها، ومن ثمّ تحاول بحركاتك الهادئة، أن تغري الطائر بحنان لكي يميل إلى مصيدتك. وما هي إلا دقائق وتكون مصيدتك قد حفّت به. ولو قمت بخلاف هذا العمل، لوجدت أنّه كلما اقترب الطائر إلى المصيدة أحسّ بالرعب وعدم الأمان، وطار مسافة أبعد، هارباً منك.
وكما هو الأمر في حالة الطائر، كذلك الحال مع البشر، إذ من السهل جداً أن يكسب المرء الأصدقاء من بني جنسه، بحكم ميله الطبيعي لِمَن هو على شاكلته، وكونه حيواناً اجتماعياً فطره الله على أن يعيش مع الجماعة، ولكن المسألة لن تقتصر عند هذه الحدود، لأن السؤال المطروح هو: كيف يتصرف الإنسان مع الذين يحبهم حتى تستمر علاقاته معهم؟ وكيف يقتحم أعماق قلوبهم، وكيف يتجاوز الروتين في علاقاته، ويجعلها صداقة مثيرة؟! ها هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يرشدنا إلى الجواب ويعطينا الطرق الناجحة للتأثير فيهم: "يابني عبد المطلب لن تَسعوا الناس بأعوالكم، فسعوهم بأخلاقكم". ويقول أيضاً: "أقربكم مني غداً في الموقف أصدقكم للحديث وآواكم للأمانة، وأوفاكم، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس". إنّ الذين يحملون صورة سيئة عن أنفسهم لقليلون، وكذلك الذين يحملون نيات سيئة تجاه الآخرين. وذلك لأن الله، عزّ وجلّ، يخلق الإنسان بفطرة سليمة.
ومن هنا فإنّ في أعماق كل إنسان دوافع نبيلة، وإيماناً بقيم أصيلة، والتزاماً بالأخلاق الفاضلة، يستطيع أن يسخّرها الإنسان في عملية التأخير والمصادقة مع الناس. وحينما نتعامل مع إنسان آخر على أساس الخلق الرفيع، فإنّه سيلتزم معكم على الأقل بالمثل. ذلك أنّ الناس يتأثرون بك كما تتأثر بهم، ويتعاملون معك كما نتعامل معهم. فحينما تنزل مع إنسان إلى مستوى مُعيّن من المزاج، فإنّه سيتعامل معك بنفس المستوى. حتى لو كان من الذين يتصفون بالاتّزان والحشمة، فإنّه سيخلع عن نفسه ذلك الاتّزان. لكن، حينما تقابله بالرزانة والاحترام، فلن يخيب ظنّك فيه، وسيعاملك على أساس ما حددت أنت. فإذا قلت لشخص ما: إنني أثق بك، وأصدق وعودك، فإنّه حتى لو كان ممّن لا عهد لهم بهذه الصفة، فإنّه لا بدّ وأن يحاول أن يحتفظ بتلك الصورة التي رسمتها عنه. فحينما تبني لإنسان قصراً من الزجاج في قلبك، فلن يحاول أن يرميه بحجر!
وإني لأعتقد أنّ الكثيرين قد جربوا، كما جرّبت انا هذه الطريقة. فحينما أطلب من شخص، أن يقوم بعمل ما، أبدأ كلامي أولاً بهذه الجملة: "إنني أتوسم فيك الخير". ومن النادر أن يخيب ظني فيه بعد ذلك. وقد تسأل لماذا؟ والجواب لأنك رسمت له صورة جميلة في ذهنك، وتوسّلت بدوافع النبل في أعماقه. وما من إنسان إلا ويحبّ الخير والصلاح في قرارة قلبه، والتعامل معه على هذا الأساس لابدّ وأن يثير الكوامن الخيّرة المودَعَة فيه، وتتجه كل خلية من خلاياه نحو العمل الصالح، فالإنسان حتى وإن كان شريراً، لن يعترف بشروره، ولربما يعتقد أو يدّعي الصلاح والصدق في تعامله مع الناس. ولكي تعرف أن الناس يتعاملون معك بناءً على الصورة التي رسمتها عنهم في ذهنك، انظر كيف تتصرف أنت مع الآخرين، بلا شك أنك ستتصرف كقائد؛ فيما لو كان الناس يحملون عنك صورة القائد، بينما تتصرف كلاعب مع من يحمل عنك صورة من يلعب في الحارة!
وكما أنت، كذلك كل الناس! إنّ المطلوب في التعامل مع الناس أن يتصرف الواحد منا كصياد للقلوب، وليس كقاضي يحكم على هذا بالسجن، وعلى الآخر بدفع غرامة، وعلى الثالث بالإعدام وماشابه ذلك، لأنّ القلوب وحشية، تفرّ من الاحكام القاسية ومن العنف، كما تفرّ جموع الغنم إذا واجهها الذئب […].
وبعد، النجاح في العلاقات العامة ليس موهبة يولد معها البعض، ويحرم منها آخرون… وإنما هو "فنّ" له قواعده، وأسسه. وكل من تعلّم هذا الفن، والتزم بتلك القواعد كان النجاح من نصيبه. فما هي تلك القواعد؟ وكيف نتعلم هذا الفن؟ من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يتكفّل بالإجابة عن كل ذلك، مرشداً القارئ إلى أقصر الطرق التي توصله لكسب الآخرين.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد