يعد التحكيم من الوسائل البديلة عن القضاء لتسوية المنازعات وقد شاع اللجوء إليه مؤخراً في العقود الدولية خصوصاً، بحيث يندر أن نجد عملنا دوليّاً لا يتضمن شرط التحكيم لتسوية المنازعات الناشئة عن العقد، فالتحكيم عدالة راقية ومرجع الرقي هذا يعود إلى أنه من ينشدها يتخلى عن...
يعد التحكيم من الوسائل البديلة عن القضاء لتسوية المنازعات وقد شاع اللجوء إليه مؤخراً في العقود الدولية خصوصاً، بحيث يندر أن نجد عملنا دوليّاً لا يتضمن شرط التحكيم لتسوية المنازعات الناشئة عن العقد، فالتحكيم عدالة راقية ومرجع الرقي هذا يعود إلى أنه من ينشدها يتخلى عن الطريق المألوف للحصول على العدالة، كما أنه يخفف العبء الكبير الملقى على كأهل القضاء في حسم عدد من المنازعات بطريقة ترضي المتخاصمين، وتقوم هذه الوسيلة على مبدأ الحرية التعاقدية حيث أن التشريعات التي تبنت هذه الوسيلة لم تحدد نطاقها، بل تركت الحرية للمتنازعين باللجوء إليه إلا أن هناك مسألة مهمة يجب أخذها بنظر الإعتبار وهي أن يكون موضوع النزاع من المسائل التي يجوز تسويتها بالتحكيم. وقد قامت الدول في وضع قيود بغية الحفاظ على مصالحها ومن أبرز هذه القيود قيد النظام العام، بمعنى أنه يجب إستبعاد كل منازعة تتعارض مع النظام العام، إلا أن تحديد ما يعد من النظام العام أمر بالغ الصعوبة لأن هذه الفكرة مرنة، فهي نسبية ومؤقتة، ففكرة النظام العام تختلف بإختلاف المكان والزمان فما يعد من قبيل النظام العام في دولة ما قد لا يعد كذلك في دولة أخرى كما أن ما يعد من النظام العام في وقت ومكان معينين قد لا يعد كذلك في وقت آخر وفي نفس المكان، لذلك عمد الفقه والإجتهاد إلى تبني معايير حديثة لقابلية النزاع للتحكيم. يتكون هذا الكتاب من مبحث تمهيد وفصلين، وخصص المبحث التمهيدي بشكل عام للبحث في ماهية التحكيم وذلك بتعريف التحكيم من الناحية اللغوية والإصطلاحية، وبيان طبيعته القانونية، وتمييزه عن نظم قانونية أخرى وبيان أنواعه. أما الفصل الأول: فقد خصص للبحث في قابلية النزاع للتحكيم وأثر النظام العام والقواعد الآمرة فيه، ودراسة معايير حديثة لقابلية النزاع للتحكيم وهو معيار: حرية التصرف بالحقوق ومعيار الطابع المالي للنزاع ومعيار الإختصاص الحصري للسلطات العامة، وأثر النظام العام والقواعد الآمرة على القابلية للتحكيم بإعتباره سبب مجمع عليه في غالبية التشريعات لإستبعاد المسائل من حلها عن طريق التحكيم. وأخيراً، يبحث الفصل الثاني الأثر المترتب على الإخلال بمبدأ عدم صلاحية الموضوع للتحكيم والتي تشمل فكرة البطلان كجزاء على صدور قرار تحكيمي في مسألة لا يجوز التحكيم فيها سواء أكانت الأحكام التحكيمية التي تنفذ في إقليم دولة معينة أحكام تحكيم وطنية أو أحكام تحكيم أجنبية، إضافة إلى بيان ماهية دعوى البطلان وسبل إقامة هذه الدعوى وإجراءاتها وموقف المعاهدات الدولية منها.