تنبع تصرفات الدول وسياساتها الخارجية من عوامل ومتغيرات مختلفة، فهي تبدأ من الداخل حيث آلية صناعة السياسة التي تعدّ عالم خاص للدولة، تصنع فيه ما يراه صناع السياسة فيها من سياسات وقرارات بناء على مدركات شخصية وموضوعية، ثم يليها تأثيرت البيئة الداخلية بعواملها ومتغيراتها،...
تنبع تصرفات الدول وسياساتها الخارجية من عوامل ومتغيرات مختلفة، فهي تبدأ من الداخل حيث آلية صناعة السياسة التي تعدّ عالم خاص للدولة، تصنع فيه ما يراه صناع السياسة فيها من سياسات وقرارات بناء على مدركات شخصية وموضوعية، ثم يليها تأثيرت البيئة الداخلية بعواملها ومتغيراتها، والعوامل والمتغيرات الخارجية التي تجعل الدولة تتصرف في الشأن الخارجي ضمن سقف مرونة قابل للتوقع، فلا يمكن أن تحيد عنه نحو خيارات سياسية تتنافى وواقع بيئتها الداخلية والخارجية. وفيما يتعلق بالكويت؛ فهي دولة تقع إلى حوار ثلاث قوى إقليمية كبرى، وهي: العراق، وإيران، والسعودية، وهي قوى متنافسة وأحياناً أخرى متصارعة وأحياناً أخرى متعاونة، ولا يمكن للكويت أن تتبع سياسة عدائية تجاه أيّاً منها إلا تحت مظلة الدولتين الأخريين ومظلة الولايات المتحدة الأمريكية؛ إلا أن الكويت فضّلت بدلاً منه اعتماد سياسات غير منحازة تجاه جوارها الإقليمي، مراعاة لواقع عوامل قوتها الإقليمية، وعوامل قوة الكويت فرضت نفسها على سياستها الخارجية، وما يهم هنا، في هذا البحث، هو انموذج سياستها تجاه العراق بعد العام 2003، فالكويت لها خصوصية في علاقاتها مع العراق، ومن ثم فلها خصوصية في سياساتها الخارجية تجاه العراق، فالعراق سبق أن طلب بضم الكويت في أكثر من مناسبة: أما نتيجة قراءة خاصة للتاريخ، وللعلاقة العراقية الكويتية أو رغبة منه بالوصول إلى إطلالة بحرية تتناسب مع حجمه ووزنه الجيوبوليتيكي والجيواستراتيجي، وهو ما تسبب العام 1990 - 1991 بظهور عدة تداعيات وقضايا خطرة على العراق وعلى المنطقة، فقد تم العمل على تسويتها بتدخلات أممية (الحدود والتعويضات وغيرها)؛ بل كانت قضية الكويت وإرتباط العراق بالفصل السابع واحدة من المدخلات لقيام الولايات المتحدة بإحتلال العراق في العام 2003، ومن ثم لتنعكس بشدة على من سياسات كويتية. إن حدث الإحتلال وما تلاه من التأسيس لنظام سياسي عراقي ديموقراطي تفاعل إيجابياً مع الكويت ومصالحها وسياساتها، وانتهى الأمر بعد عدة أعوام إلى حدوث تحولات فيها، وإنتقالها من الإصرار على تبني الصراع مع العراق، إلى تبني منهج يزاوج بين الشك والتعاون المحدود قبل العام 2010، ثم الإنتقال إلى رفع سقف التعاون مع العراق بعد العام 2010، والعمل على تسوية للقضايا الخلافية وموضع النزاع. واليوم، فإن السياسة الكويتية مقبلة على التعامل مع العراق بعد رحلة النزاع والخلاف بشأن قضايا محددة، وصار الإتجاه القائم منذ عام 2010 هو الإنفتاح على توسيع علاقات التعاون، وهو ما يظهر في الخطاب والسلوك الكويتي من العراق. من هنا، فإن هذه الدراسة التي تتناول القضايا المشتركة بين العراق والكويت تعدّ مسألة مهمة كونها تعطي توثيقاً وتحليلاً لما اتجهت إليه الكويت خلال المدة السابقة للعام 2016 في كيفية تعاملها مع تلك القضايا، كما أنها تعطي إمكانية لإستشراف ما يمكن أن تستقر عليه سياسة الكويت الخارجية تجاه العراق في المستقبل القريب بوصف ما يتوقع من السلوك الخارجي هو مسألة مهمة للباحثين ولصناع السياسات من تتبع مسألة وصف ما استقرت عليه تلك السياسة في حقبة ماضية. هذا وقد سعى الباحث من خلال هذه الدراسة إلى البحث فيما يلي: آلية صنع السياسة الخارجية الكويتية وبيان موقع سلطة الأمير منها، ومدى قوة القوى والمؤسسات الكويتية وصلاحيتها في عملية صنع تلك السياسة. ونظراً إلى أن كل سياسة تتأثر بمجموعة من العوامل المؤثرة فيها، فقد عمد الباحث في هذه الدراسة إلى تفصيل المتغيرات الكويتية الداخلية والمتغيرات الخارجية الإقليمية والدولية بعدها عوامل لا يمكن للسياسة الكويتية تجاوزها في أثناء عملية الصنع. بالإضافة إلى ذلك سيتم التطرق في هذه الدراسة إلى البحث في ما أتيح للكويت من وسائل بفضل ريعها النفطي والمقصود؛ ما أتيح للكويت من وسائل في الشأن الخارجي؛ ومن علاقاتها مع العراق بالتحديد، كما سيتم البحث في قضايا عراقية كويتية مشتركة وهي قضايا الحدود والإطلالة على البحر والديون والتعويضات والأسرى والمفقودين، والأرشيف الوطني الكويتي والثقة المتبادلة، وغيرها من القضايا المشتركة، حيث أن هذه الدراسة تفيد ببيان كيف وضعت وتغيرت الكويت سياستها في ظل ما هو قائم من قضايا مشتركة، وهو ما سيكون محور لإهتمام الدراسة. وأخيراً، يشير الباحث بأن غايته من هذه الدراسة هو تتبع ما يمكن أن تستقر عليه الخارجية الكويتية تجاه العراق في ضوء المؤشرات المتوقعة في الأعوام القليلة القادمة.