لقد قصّ الله في القرآن قصصاً للسابقين : طغاة ومقتصدين ، ووصفها بالحق الذي لا يتطرق إليه شك ، وأورد الخبر اليقين الذي يبقى جزءاً حيّاً من التاريخ ، وقرر سبحانه وتعالى أن في قصص هؤلاء الماضين عبرة لأولي الألباب ، الذين يقفون على تلك القصص ، ويدركون ما فيها من عبر وعظات ،...
لقد قصّ الله في القرآن قصصاً للسابقين : طغاة ومقتصدين ، ووصفها بالحق الذي لا يتطرق إليه شك ، وأورد الخبر اليقين الذي يبقى جزءاً حيّاً من التاريخ ، وقرر سبحانه وتعالى أن في قصص هؤلاء الماضين عبرة لأولي الألباب ، الذين يقفون على تلك القصص ، ويدركون ما فيها من عبر وعظات ، ويستخرجون ما فيها من دروس ودلالات . من هذه القصص قصة فرعون ، ولا شك في أن تلك القصة لها أهميتها البالغة ، وإلا لما وردت بهذا الحجم ، فقصته أخبار تاريخية صادقة تتكرر في كل زمان ومكان ، وتبرز في كل وقت وحين ، وهي تصور حقيقة واقعية أليمة ، تفرّق بين الحق والباطل ، وتصور المعركة بين جند الرحمن وجند الشيطان ... تلك المعركة التي قامت بين أولياء الله وأعداء الله ، من بزوغ فجر هذا الوجود ، ومنذ أن ظهر على مسرح الحياة الدعاة والمصلحون والأنبياء والمرسلون . من هنا ، وإدراكاً من الباحث لأهداف القرآن من قصصه ، والتفاتاً لما في هذه القصص من حقائق ومبادىء وتوجيهات . وتنفيذاً لأمر الله بالتدبر والتفكر والإعتبار ، ورغبة منه في خدمة كتاب الله ، وبيان ما يقدر عليه من علومه وتفسيره ، تم إعداد هذه الدراسة عن قصة فرعون في القرآن الكريم ، وذلك بهدف استنباط العبر والعظات التي تكمن وراء كل خصيصة من خصائص هذه القصة ووقائعها : عقيدة وفكراً وتاريخاً . أما منهج البحث ، فقد سلك الباحث منهج التقصي والتحليل في جمع المعلومات المتعلقة بفرعون ، وهو أوفق المناهج في مثل هذا الموضوع ، حيث اعتمد في استقاء مادته العلمية على جميع الآيات القرآنية التي تقص خبر فرعون ، ثم تفسير هذه الآيات بالرجوع إلى كتب اللغة ، والتفسير ، وآراء العلماء - قدامى ومحدثين ، ومعاصرين ، ثم الإستشهاد بالأحاديث الصحيحة قدر المستطاع ، وكتب القصص القديمة والحديثة ، وما يتعلق بهذا الموضوع من كتب تتعلق بالدعوة والإرشاد والنصح ، ثم التعليق عليها وربطها بالواقع المعاصر ما وجد الباحث إلى ذلك سبيلا . وقبل كل ذلك تم تخصيص مبحث كامل للحديث عن الأسرات الفرعونية ، وفرعون موسى عليه السلام ، من خلال الإستعانة بالكتب التاريخية المصرية القديمة والمعاصرة ، والإعتماد على ضوء الدراسات الأثرية والمومياوية في تحديد موسى عليه السلام ، ثم إغناء البحث بإجراء المقابلات الشخصية مع كبار الأساتذة والشيوخ في هذا المجال من مؤرخين وعلماء آثار في مصر . وتأسيساً على ذلك فقد اقتضت طبيعة الموضوع والمادة العلمية المجموعة له بناء الرسالة على أربعة فصول ، استُهلتْ بمقدمة ، وختمت بخاتمة تضمنت نتائج البحث ، والفهارس . وأما الفصول ومواضيعها فقد جاء الأول منها حول فرعون في الدراسات القديمة والحديثة ، وحول قصة فرعون من ولادة موسى عليه السلام إلى نهاية معجزتي العصا واليد دار الفصل الثاني ، بينما تناول الفصل الثالث فرعون وصفاته الشخصية وتعامله مع حاشيته ورعيته . وحول خروج بني إسرائيل ونهاية فرعون جاء الفصل الرابع . وتجدر الإشارة أن هذا البحث هو رسالة قدمها الباحث لنيل شهادة الماجستير في الدراسات القرآنية .