يتمتع العراق بأهميَّة جيوإستراتيجية في المدرك الإستراتيجي الأميركي، وأعتبر جزءاً من منظومة القدرة العربيَّة الصلبة، وعنصراً للتوازن في الصراع العربي - الإسرائيلي، وأبدت الإستراتيجية الأميركية إهتماماً مكثفاً بالملف العراق، وخاصة في إيصال "صدام حسين" إلى الحكم في تموز /...
يتمتع العراق بأهميَّة جيوإستراتيجية في المدرك الإستراتيجي الأميركي، وأعتبر جزءاً من منظومة القدرة العربيَّة الصلبة، وعنصراً للتوازن في الصراع العربي - الإسرائيلي، وأبدت الإستراتيجية الأميركية إهتماماً مكثفاً بالملف العراق، وخاصة في إيصال "صدام حسين" إلى الحكم في تموز / يوليو 1979، ومن ثمة تم تحريضه للدخل في حرب ضد إيران في أيلول / سبتمبر 1980، بإسم "حرب الخليج الأولى"، والقيام بعملية إجتياح الكويت في آب / أغسطس 1990، وتم تشكيل إئتلاف دولي بقيادة أميركية لإخراج الجيش العراقي من الكويت بإسم "حرب الخليج الثانية"، لكن بعد الإنهيار السوفياتي في كانون الأول / ديسمبر 1991، استند منهج التفكير الإستراتيجي الأميركي تجاه العراق على تطبيق إستراتيجية الإحتواء المزدوج عن طريق الحصار الإقتصادي، والبحث عن الأسلحة النووية المقترن بضربات جوية على المواقع الحساسة. وبعد تفجير برجي التجارة العالمية ومبنى البنتاغون في أيلول / سبتمبر 2001، بات الركون إلى الحرب الوقائية والإستباقية في السياسة الخارجية الأميركية بدعوى الحماية الإنسانية ومكافحة الإرهاب والأسلحة النووية، والإعتبارات براغماتية رفع "المحافظين الجُدُد" شعار "حرب تحرير العراق" في عملية "الصدمة والرعب"، وفقاً لرؤى راديكالية للشرق الأوسط، وخدمة للسياسة الشوفينية الإسرائيلية، ودعماً لمشروع ديماغوجي عالمي عبر عنه الرئيس الأميركي "فرانكلين روزفلت" بقوله: "إنّ قدرنا هو أمركة العالمة تكلموا بهدوء واحملوا عصا غليظة عندئذ يمكن أن تتوغلوا"، وبعد إحتلال العراق من قبل القوات الأنجلو - أميركية في نيسان / أبريل 2003، باسم "حرب الخليج الثالثة"، أرتكز المخطط على حرمان العراق من القدرة الصلبة والحؤول دون النظام السياسي، والهيمنة على قدراته الإقتصادية، وبعد فوضى العملية السياسية التي بنيت على أساس طائفي - عرقي، وتأثير المقاومة المسلّحة على المشروع الأميركي، وللخروج من أجواء الهزيمة تم تشكيل لجنة "بيكر هاملتون" لإشراك القوى الإقليمية والدولة في الأزمة العراقية. غير أن إندحار "الحزب الجمهوري بزعامة" المحافظين الجُدُد"، أدَّى إلى صعود الحزب الديمقراطي حيث امتاز بأساليب أكثر جاذبية دون الإنغماس في تعزيز الآلة العسكرية، ووسائل سياسية دون السياسة التصادمية مع الأقطاب الدولية الصاعدة، وأهمها مجموعة البريكس في ظلّ صعود روسيا الإتحادية والصين إلى مسرع التنافس القطبي، والمتغيرات الإقليمية في إطار ما يسمى ثورات الربيع العربي، وبالتالي تبرز إحتمالية تغيير النظام الدولي الأحادي القطبية، وفقدان الولايات المتحدة بريقها الأساسي في قيادة العالم. ولذلك، قررت الولايات المتحدة سحب قواتها من العراق في كانون الأول / ديسمبر 2011، وممارسة التأثير عن بعد، وعليه تبرز مشاهد محتملة لمستقبل العراق في الإستراتيجية الأميركية.