إنَّ ما يجرى على الساحة العربية من ثورات، ما برحت - في تصورنا - تثور على ذاتها وتأكل نفسها وشعبها، فالحرية والديمقراطية اللتان تطالب بها الشعوب العربية تحولت - في حقيقة الأمر - إلى صراع على السلطة بين جهة ترغب في العيش بكرامة وجهة تحاول تحطيم كل ما يحيط بها؛ حتى بات الفرد...
إنَّ ما يجرى على الساحة العربية من ثورات، ما برحت - في تصورنا - تثور على ذاتها وتأكل نفسها وشعبها، فالحرية والديمقراطية اللتان تطالب بها الشعوب العربية تحولت - في حقيقة الأمر - إلى صراع على السلطة بين جهة ترغب في العيش بكرامة وجهة تحاول تحطيم كل ما يحيط بها؛ حتى بات الفرد العربي يدرك أنَّ ما يجري حوله هو مجرد مخططات، غايتها تمزيق وحدة أصحاب لغة الضاد؛ فما جرى في العراق وتونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا والسودان، ما هو إلا إنعكاس لهذه الجهة التي ترفض أن ترى العرب موحدين متماسكين. وفي هذا الإطار ما برح المشهد السوداني من أزمات يتعرض لها على الصعيد الإجتماعي، والإقتصادي، والسياسي، والبيئي. وتُظهر الأزمات والصراعات التي عصفت بالسودان ضعف الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم؛ التي عصفت بالسودان ضعف الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم؛ بل وجهلها لأمور الحكم منذ خروج المستعمر في عام 1956 وحتى عام 2005، فالحكومات المتعاقبة لم تستطع أن تجد هوية مشتركة تجمع بها أهل السودان على مختلف ثقافاتهم، وأجناسهم، وأديانهم، وقبائلهم، وإثنياتهم. ما جعل هذا التعدد والتنوع، يتحول إلى نقمة جلبت على السودان الحروب الدموية، في ظل التدخل الأميركي - الإسرائيلي وغياب واضح إلى القرارات الصائبة لمجلس الأمن والدور الموازن لكل من روسيا والصين، ما فسح المجال للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها لإصدار الكثير من القرارات التي مهدت لتمزيق السودان؛ ومن ثم محاولة تمزيق الوطن العربي إلى دويلات صغيرة؛ فما يحصل في السودان من فصل الشمال عن الجنوب هي في الحقيقة محاولات لتطبيع الوعي الجماعي العربي لتقبل هذه القرارات، أي هذه السياسة الآن هي في مراحل حصدها لأغلب خططها التي وضعتها قبل عقود، وإنعكاس هذا المتغير على منطقة الشرق الأوسط من أجل غاية لا تخفى على أحد، وهي السيطرة على مصادر الطاقة في إفريقيا والشرق الأوسط من جهة وتقسيم الدول إلى دويلات صغيرة تحت قيادة إسرائيل الكبرى من جهة ثانية. يعدُ هذا الكتاب دراسةً معمقة تبحث عن ماهية السياسة الخارجية الأميركية تجاه السودان والتي تراوحت كيميائيتها بين "الترغيب والترهيب" من أجل تحقيق المصلحة التي تسعى إليها الولايات المتحدة الاميركية وفي مقدمتها مصادر الطاقة النفط والغاز والموقع الجغرافي المتميز لدولة السودان التي تعد سوقاً رائجةً للمنتوجات الأميركية، وحماية أمن الكيان الصهيوني تأتي كمصلحة أخرى من المصالح الأميركية في المنطقة، عن طريق إقامة سودان جديد، يؤمن دولة إسرائيل.