يتزايد اهتمام الدول يوماً بعد يوم بتحقيق العدالة، لأنها تهدف فعلياً إلى تأمين السلام الإجتماعي، باعتبار أن العدل أساس الملك. ولما كان القاضي يلعب دوراً فاعلاً في تحقيق العدالة بين المتداعين إحقاقاً للحق، بالإستناد إلى نصوص قانونية مجردة، ظهرت العدالة المبنية على اتفاق...
يتزايد اهتمام الدول يوماً بعد يوم بتحقيق العدالة، لأنها تهدف فعلياً إلى تأمين السلام الإجتماعي، باعتبار أن العدل أساس الملك. ولما كان القاضي يلعب دوراً فاعلاً في تحقيق العدالة بين المتداعين إحقاقاً للحق، بالإستناد إلى نصوص قانونية مجردة، ظهرت العدالة المبنية على اتفاق المتنازعين، وأنتجت آثاراً أكثر إيجابية وفعالية من العدالة التي يطبّقها القاضي. من هنا بدأت المناداة بوجود وسائل بديلة وودية تتمثل بعدالة فاعلة خارج حلبة المحاكم، تعتمد على السرعة في حسم النزاعات وبكلفة أقل، عن طريق إصلاح ذات البين بين المتقاضين بالتوافق والتراضي، دون غالب أو مغلوب، مع بقاء العلاقات وطيدة فيما بينهم، وهذا ما يساهم في تعزيز السلم الإجتماعي، والتطور الإقتصادي والإجتماعي، وتقليص عدد القضايا المعروضة أمام المحاكم. وقد تبيّن للسلطة القضائية أن أسلوب العمل القضائي التقليدي، لا يتيح لها الإستجابة لبعض القضايا عن كثب، فبرزت الوساطة كوسيلة هادفة إلى تحقيق العدالة عن طريق المفاوضات بين المتنازعين وبرعاية وسيط، واقتحمت الوساطة كافة المنازعات سواء أكانت تجارية أو مدنية أو إجتماعية أو عائلية وحتى الجزائية، وتركزت على نزاعات العمل الفردية والجماعية. وسرعان ما تطورت الوسائل البديلة لتسوية النزاعات، ومنها التحكيم والمصالحة، وهذا التطور استدعى الحاجة إلى تغيير عميق وجذري في النظام القضائي المعاصر من القانون المكتوب والمفروض، وصولاً إلى الحسم الذي يرضي المتداعين، بحيث تحل العدالة التوافقية محل العدالة الصارمة. لكن إلى جانب الإيجابيات الجمّة التي يحققها الصلح، فإنه يمكن استخدامه كطريق للتهرّب من الموجبات، عبر التحايل على القانون، من خلال تسمية عقد ما بعقد صلح، وهنا يأتي الدور البارز للقضاء، في وضع الأمور في نصابها الصحيح، وتفسير العقد وفقاً للوقائع المعروضة أمامه، والتعويل على النية الحقيقية للفرقاء المتصالحين، خاصة عندما يكون الصلح القضائي، فإن القاضي يتولى مهمة التوفيق بين المتنازعين بعدالة وإنصاف. وحول هذا الموضوع لا بد من طرح الأسئلة التالية: ما هي السبل الكفيلة بتنظيم العلاقة بين الصلح والقضاء، توصلاً لجعل الصلح جزء من التنظيم القضائي اللبناني، أسوة بالنموذج الأميركي والتوجه الفرنسي؟. هل تواجه مسألة إنشاء مكاتب متخصصة بالصلح عقبات تقنية أو فنية أو مهنية؟. ما هي الضوابط الواجب توافرها لتمييز عقد الصلح عن غيره من العقود؟. لماذا لا يتم تحرير عقود الصلح خطياً مهما كان موضوعها، وذلك ضماناً للإثبات والتنفيذ؟. كل هذه التساؤلات وغيرها حاول المؤلف الإجابة عليها في معرض هذه الدراسة، بالإستناد إلى القانون والفقه والإجتهاد، وإعطاء رأيه بكل النقاط المثارة، توضيحاً للغموض، وتأكيداً للوضوح.