سخّر الله سبحانه وتعالى للإنسان ما في السموات وما في الأرض، بعد أن منحه العقل والغرائز المختلفة، ومن بين هذه الغرائز، غريزة التملك وحب الإستئثار بالأشياء، ولأجل مواكبة هذه الغريزة الإنسانية وتنظيمها، نشأ نظام الملكية في المجتمعات، ولا شك أن هذه الغريزة ستصطدم بواقع تعدد...
سخّر الله سبحانه وتعالى للإنسان ما في السموات وما في الأرض، بعد أن منحه العقل والغرائز المختلفة، ومن بين هذه الغرائز، غريزة التملك وحب الإستئثار بالأشياء، ولأجل مواكبة هذه الغريزة الإنسانية وتنظيمها، نشأ نظام الملكية في المجتمعات، ولا شك أن هذه الغريزة ستصطدم بواقع تعدد الشركاء، فيحاول كل من الشركاء الإستئثار بأكبر قدر من منافع الشيء المشترك بينهم لنفسه، وخاصة إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أن تعدد الشركاء أمر لا مناص منه، فحتى لو أحب الإنسان ألا يشاركه أحد في ملكه، وأراد أن يستأثر لوحده بما يملك، إلا أنه وبوفاة هذا الإنسان، فإن ما كان يملكه لوحده سيصير ملكاً لورثته، ومن ثم يصبح الشيء الذي كان له مالك واحد ابتداءً، له أكثر من مالك واحدا مآلاً، وبذلك تعد الملكية الشائعة حالة إستثنائية على الملكية المفرزة التي يستأثر فيها شخص واحد بملكية شيء معين لوحده، ليصبح العدد أكثر من مالك واحد، بحيث يعتبر كل واحد منهم مالكاً لكل ذرة فيه، ومن ثم تتأثر حقوق أحد الشركاء بحقوق شركائه الآخرين نظراً لتعارض مصالحهم، الأمر الذي يثير إشكاليات بين الشركاء في المال الشائع، وهذا ما أفرز ضرورة تدخل المشرع لتنظيم أحكام الشيوع، ومن ضمنها أحكام التصرف في المال الشائع، والذي يعد موضوع هذه الدراسة. ويتحدد نطاق هذا البحث الموسوم (التصرف في المال الشائع)، في إطارين، الأول: التصرف، وهو مضمون الحق المالي، ويقتصر في الدراسة على التصرف القانوني، الذي يرد على المال، دون التصرف المادي، الذي يرد على الشيء. والإطار الثاني للبحث يتحدد في المال (الحق المالي) ومحله الشيء الشائع، باعتباره محلاً للحق العيني، والحق الذهني (حقوق الملكية الفكرية)، في حين يخرج الأداء، باعتباره محلاً للحق الشخصي، من نطاق هذه الدراسة، لأن سلطة صاحبه (الدائن) في التصرف القانوني، والتي تخضع لأحكام نظرية الإلتزامات، تختلف جذرياً عن سلطة صاحب الحق العيني في التصرف في الشيء الشائع.