جاءت الشريعة الإسلامية بمبادىء عظيمة لصالح البشر، كفيلة بتحقيق الخير للمجتمع الإنساني في كل عصر ومصر. فإنها تضمنت قواعد رصينة ومبادىء شاملة، وامتازت بالعالمية والمرونة والصلاح. والأسرة هي نواة المجتمع الكبير وحجر أساسه. فسعادة المجتمع من سعادة الأسرة. ومن أهم المبادىء...
جاءت الشريعة الإسلامية بمبادىء عظيمة لصالح البشر، كفيلة بتحقيق الخير للمجتمع الإنساني في كل عصر ومصر. فإنها تضمنت قواعد رصينة ومبادىء شاملة، وامتازت بالعالمية والمرونة والصلاح. والأسرة هي نواة المجتمع الكبير وحجر أساسه. فسعادة المجتمع من سعادة الأسرة. ومن أهم المبادىء التي جاءت بها الشريعة الإسلامية لتنظيم الحقوق المالية، ونظام التصرف بالأموال هو الميراث والوصية، وهما من الحقوق المتعلقة بالتركة، وإن للوصية أهمية خاصة في التكافل الإجتماعي والإقتصادي والتي ما شُرعت إلا لما فيها من التعاون والبر والتقوى، ونفع كثير للموصي بعد وفاته، وللموصى له في حياته. ومن الجزئيات التي كثر فيها السؤال في أيامنا هذه هي في مسألة الأحفاد الذين مات والدهم قبل أصله، هل يحرمون من ثروة جدهم، وقد يكون هؤلاء الأحفاد بأمس الحاجة إلى المال، وخاصة إذا كانوا فقراء، وان جدهم لم يوصِ لهم بشيء، ولم يعطهم شيئاً. لذا فإن هذه المسألة أصبحت من المسائل الفقهية التي تحتاج إلى إعادة النظر من العلماء، بما يتلاءم مع روح العصر ومستجداته، والأمة تمر بها النكبات، كثرة الموت في الشباب خاصة في أيام الحروب والفتن التي تعصف بالأمة. وقد رأى بعض فقهاء الشريعة والقانون في منتصف القرن الماضي أن الحل الأسلم لإنقاذ هؤلاء الأحفاد هو الوصية الواجبة لهم، إذ لم يوصِ الجد لهم في حياته، واستندوا إلى آية الوصية [كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين ] البقرة: 180. وإن هذه الآية لم تعتمد في الفقه الإسلامي، ولم تطبق تطبيقاً صحيحاً بسبب اختلاف آراء الفقهاء، حول نسخها أو عدمه، وإن الضرورة والحاجة تدعو إلى العمل بها على أوسع نطاق، وهي واسعة الإشتمال تطال من لا يرث من الأقربين ومنهم الأحفاد. وكذلك ما ورد في الأثر من أقوال بعض التابعيين وفقهاء السلف في وجوب الوصية للأقرباء غير الوارثين. وجاء دور رجال القانون ليشرعوا أحكاماً من شأنها بلورة نظام شرعي وقانوني يكفل ضمان حصول هؤلاء الأحفاد غير الوارثين على جزء من تركة جدهم أو جدتهم، وقد جاء هذا الكتاب ليبرز معالم هذا التشريع ويبيّن أحكامه في الفقه والقانون، ومدى صحة ما ذهبت إليه القوانين في تنظيم الوصية الواجبة في كونها تحقق الغاية التي من أجلها شرعت.