يعتبر (الكتاب) إنجاز حضاري له مكانته والكتاب بطليموس في علم هيئة الأفلاك، وكتاب أرسطو طاليس في علم المنطق، وهو عمل ضخم من أعمال الفكر الإنساني يمثل خلاصة الفكر النحوي للرعيل الأول من نحاة العرب، فهو علم الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي تلقاه من شيوخه وأصاره إلى تلميذه سيبويه،...
يعتبر (الكتاب) إنجاز حضاري له مكانته والكتاب بطليموس في علم هيئة الأفلاك، وكتاب أرسطو طاليس في علم المنطق، وهو عمل ضخم من أعمال الفكر الإنساني يمثل خلاصة الفكر النحوي للرعيل الأول من نحاة العرب، فهو علم الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي تلقاه من شيوخه وأصاره إلى تلميذه سيبويه، ثم إنه أفضل ما ألف في النحو من الناحية التعليمية، قال ابن خلدون: "إنه لم يقتصر على قوانين الإعراب فقط، بل ملأ كتابه من أمثال العرب، وشواهد أشعارهم وعباراتهم فكان فيه جزء صالح من تعليم هذه المَلَكة، فتجمد العاكف عليه والمحصّل له قد حصل على حظّ من كلام العرب واندرج في محفوظه في أماكنه ومفاصل حاجاته وتنبه به لشأن الملكة، فاستوفى من تعليمها فكان أبلغ في الإفادة، وقد فضله على كتب المتأخرين. أما سيبويه فهو عمَرو بن عثمان بن تنبر، يُكنّى أبا بِشرْ، وقد اشتهر بسيبويه، وهو لقب عرف به منذ طفولته ويعني في الفارسية "كومُ تفاح" مما يدلّ على حسن طلعته وجماله، صحب سيبويه في أول أيامه الفقهاء وأهل الحديث؛ وكان يستملي الحديث على حمّاد بن سلمة، ولما لحن سيبويه في قراءته تركه وطلب اللغة وعني بالنحو؛ فصحب عيسى بن عمر الثقفي، ثم فارقه ولزم الخليل بن أحمد الفراهيدي، ودرس على بعض شيوخ عصره وأما تسمية مؤلف سيبويه هذا بــ"الكتاب"، فلا شك أنها جاءت بعد تسميته منسوباً إلى مؤلفه (كتاب سيبويه)، ثم أطلقوا عليه اسم (الكتاب) إختصاراً لشهرته، قال السيرافي: "وكان كتاب سيبويه لشهرته وفضله علماً عند النحويين، فكان يقال بالبصرة: قرأ فلان الكتاب، فيُعْلَم أنه كتاب سيبويه وقرأ نصف الكتاب ولا شك أنه كتاب سيبويه". وإلى هذا، فقد وضع سيبويه منهج كتابه هذا ورسم خطته في ترتيب أبوابه، ألف سيبويه الكتاب في كراريس فبدأ بمجموعة من الأبواب تعدّ مقدمة علمية له أولها: "هذا باب ما الكلم من العربية" وآخرها "هذا باب ما يحتمل الشعر" وتستمر (أبواب النحو) بقوله: "هذا باب الفاعل الذي لم يتعدّه فعله إلى مفعول، والمفعول الذي لم يتعدّ إليه فعل فاعل ولا يتعدّى فعله إلى مفعول آخر، وما يعمل من أسماء الفاعلين والمفعولين عمل الفعل الذي يتعدّى إلى مفعول، وما يعمل من المصادر ذلك العمل... إلخ". وهو وصف للأبواب التي تليه. وتنتهي أبواب النحو بالباب الذي يقول فيه: "هذا باب الحكاية التي لا تغيّرُ فيها الأسماء عن حالها في الكلام"، ثم تبدأ (أبواب الصرف والأصوات) بقوله: "هذا باب الإضافة وهو باب النسب"، وتنتهي هذه الأبواب بموضوع (الإدغام)، وهو يقع في عدد من الأبواب أولها: "هذا باب الإدغام: هذا باب عدد الحروف العربية، ومخارجها، ومهموسها ومجهورها وأحوال مجهورها ومهموسها وإختلافها"، وأخرها: "هذا باب ما كان شاذّاً ممن خففوا على ألسنتهم وليس بمطّرد وبه يتم الكتاب: فهو، وإلى هذا، يقع في: 1-أبواب النحو، وأبواب الصرف والأصوات. وقد عقد سيبويه كتابه على كلام العرب منثوره ومنظومه مفيداً من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، والذي عليه البحث أن سيبويه قد اشتهر بالشعر كثيراً، وقد عُنيَ بالأمثال وما أنزل منزلتها من الأساليب والتعابير اللغوية المأثورة. هذا من جهة، وأما العمل الذي سار عليه الباحث والمحقق أ.د. محمد كاظم البكاء في هذه الطبعة، فقد كان عمله في نشر "الكتاب" إكمالاً لجهود المتقدمين، مع زيادة من قبله فيه، فهو يهدف إلى تقديم "الكتاب" واضحاً في منهجه، سهل التناول واضح العبارة. وهذا ما تهيأ له في هذه الطبعة، ويأتي ذلك بعد دراسة منهج الكتاب في رسالة الدكتوراه التي تقدم بها تحت عنوان: "منهج كتاب سيبويه في التقويم النحوي"، وما اقتضاه ذلك من مراجعة شروح الكتاب وتدبّر قراءته وفهم أقواله. وقد جرى عمله على هذا النحو: 1-إعتماده على التصنيف المنهجي لأبواب الكتاب على ما اتضح له في رسالة الدكتوراه التي أشرنا إليها آنفاً، 2-تطبيق التصنيف المنهجي بقسمة الكتاب إلى قسمين هما (المقدمة وأبواب النحو) و(أبواب الصرف والأصوات)، ثم تصنيف أبواب كل قسم منها في أجزاء، وكلّ جزء في موضوعات نحوية، 3-إعتماده في التحقيق على نسخة كاملة نفيسة لم يطّلع عليها أحد من الذين نشروا الكتاب، 4-إقتباسه نصوصاً من شروح كتاب سيبوية المخطوطة لتوضيح بعض أقوال صاحب الكتاب التي إلتبسها الغموض، 5-توضيح بعض مسائل الكتاب المشكلة والتعليق على بعض أقواله، 6-تدبر معاني شواهد الكتاب وأمثلته في أكثر من مرجع وإلى غير ذلك من جهة بذله المحقق بغاية أن يأتي (الكتاب) سهل التناول، واضح المنهج، يرجع إليه جميع طلبة اللغة والباحثين في هذا المجال، وقد جاء الكتاب في طبعته هذه ضمن ستة مجلدات.