كانت المعاهدات والأشكال الأخرى للإتفاقات الدولية موجودة، على مدى التاريخ المدوَّن، ففي عصور الجاهلية كانت ثمرة حرب قاهرة في الأغلب، تفرض على المغلوب لينال الغالب ثمرة غلبه.فمنذ نشوء المجتمع الدولي، تُبرَم المعاهدات لوضع نهاية للحروب كمعاهدات الصّلح، أو لتثبيت وترسم...
كانت المعاهدات والأشكال الأخرى للإتفاقات الدولية موجودة، على مدى التاريخ المدوَّن، ففي عصور الجاهلية كانت ثمرة حرب قاهرة في الأغلب، تفرض على المغلوب لينال الغالب ثمرة غلبه. فمنذ نشوء المجتمع الدولي، تُبرَم المعاهدات لوضع نهاية للحروب كمعاهدات الصّلح، أو لتثبيت وترسم الحدود الفاصلة بين دولتين أو أكثر، أو لتضافر جهود دولتين أو أكثر من أجل الدفاع عن كيانها المشترك، أو من أجل قهر عدو مشترك، أو لإنهاء الإستعمار أو الإحتلال العسكري، فضلاً عن أنّ هذه المعاهدات تعدُّ مصدراً رئيساً للقانون الدولي، ترفده بالقواعد القانونية المكوِّنة له. ومن هنا، اكتسبت المعاهدات الدولية أهمية متزايدة في النظام القانوني الدولي، وقد دخل العراق في إتفاقيات دولية ثنائية أو جماعية منذ تأسيس الدولية العراقية عام 1921 إلى وقتنا الحالي، ومن ضمنها الإتفاق العراقي الأمريكي، الذي نظم وجود القوات الأمريكية في العراق وإنسحابها منه، وأَبرمت عدّة دول، مرّت بالظروف نفسها التي مرّ بها العراق، إتَّفاقاتٍ أمنيةً طويلة الأمد مع الدول التي انتصرت عليها في الحرب واحتلتها، مثل اليابان وألمانيا وغيرهما. وتأتي أهمية هذا الإتِّفاق، من حيث طبيعة العلاقات العراقية الأمريكية تأريخيّاً، يتقاربها في بعض الأزمنة وتباعدها في أخرى، وصلت إلى حدِّ النزاع المسلح في حقبة مهمة منها، فضلاً عن التدخل الأمريكي غير المشروع في العراق، وإحتلاله له عام 2003. وأصدر مجلس الأمن قرارات عديدة في عام 2003 وبعده، مستنداً إلى الفصل السابع بحق العراق والدول التي أحتلته، وكان لهذه القرارات أثر واضح في سيادة العراق ومستقبل الحكم فيه، وإعطاء الغطاء القانوني لوجود القوات الأجنبية في إقليمه، فضلاً عمّا صدر عن المجلس منذ عام 1990 من قرارات جعلت العراق منقوصاً للسيادة قبل إحتلاله. لذا، كان من الضروري، تنظيم إنسحاب هذه القوات بموجب إتِّفاق يْبرم بين الطرفين، يكون متكافئاً ومتوازناً بين أطرافه، ويضمن هذا الإنسحاب ويوفِّر مصالح العراق، ويسهم في إستعادة سيادته الكاملة "القانونية والفعلية"، ويضمن للولايات المتحدة سلامة قوّاتها، في أثناء تواجدهم في العراق وإنسحابها منه. تحاول هذه الدراسة أن تسلِّط الضوء على أهم بنود هذا الإتِّفاق وأثره في سيادة العراق، كما تحاول أن تبيِّن مشروعيته القانونية ومدى إمكان تطبيقه، وتحقيق الأغراض التي وجد من أجلها. وقد قُسِّمت هذه الرسالة على فصل تمهيدي، تناول فيه المؤلف مفهوم المعاهدة الدولية والقواعد التي تنظِّمها في القانون الدولي، وقسمين تناول المؤلف فيها موضوعات البحث، على النحو الآتي: القسم الأول: الطبيعة القانونية للتدخل الأمريكي في العراق ومشروعية الإتِّفاق الدولي الخاصّ بإنسحاب القوات الأمريكية من العراق، الفصل الأول: الطبيعة القانونية للتدخل الأمريكي في العراق، الفصل الثاني: أهلية العراق لإبرام إتِّفاق سحب القوات وشروط صحته، القسم الثاني: إبرام العراق إتِّفاق سحب القوات الأمريكية وأثره في سيادته، الفصل الأول: إبرام الإتِّفاق بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية، الفصل الثاني: الإتِّفاق وأثره في سيادة العراق.