لفت تزايد عدد الفضائيات العربية في العقد الأخير، إنتباه المشاهدين العرب والمهتمين بشؤون الإعلام الذين تباينت آراءهم وإتجاهاتهم بشأن ما استطاعت أن تقدمه للمشاهد العربي، وما أقدمت عليه من تغيير في مشهد الإعلامي، الذي بات في حاجة ماسة إلى الإنفتاح والإستفادة من...

لفت تزايد عدد الفضائيات العربية في العقد الأخير، إنتباه المشاهدين العرب والمهتمين بشؤون الإعلام الذين تباينت آراءهم وإتجاهاتهم بشأن ما استطاعت أن تقدمه للمشاهد العربي، وما أقدمت عليه من تغيير في مشهد الإعلامي، الذي بات في حاجة ماسة إلى الإنفتاح والإستفادة من التكنولوجيات الحديثة في الإتصال والإعلام، التي حولت الأخبار التقليدية والبرامج التلفزيونية، إلى قصص وأحداث بصرية جاذبة... خاصة وأن صعود نجم هذه القنوات الفضائية تزامن مع موجة الحروب والإضطرابات التي حلت بالمنطقة العربية، فقد جاءت الحرب على أفغانستان عام 2001، والعراق 2003، ولبنان 2006 وغزة بفلسطين 2007 لتظهر الأهمية الكبرى والحاجة الملحة لفضائيات عربية تكسر إحتكار الغرب للصورة، وتلبي حاجات المشاهدين العرب في معرفة ما يجري بعدسات وأصوات عربية.
نجحت الكثير من الفضائيات العربية في نقل الصورة إلى الرأي العام العربي والعالمي، وإحداث القطيعة مع الصورة الغربية المنحازة، او المعدة سلفاً وفق سيناريوهات جاهزة، غير أن الفضائيات العربية استطاعت أن تكسر أيضاً الحصار الداخلي الممارس على حرية الرأي والتعبير، وسيطرة الأنظمة والحكومات على قطاع الإعلام المرئي والمسموع، حيث لطالما عد التلفزيون ملكية حكومية خاصة، لا يمر عبرها رأي مخالف أو منتقد لسياساتها، لتعلن حرية الفضاء المفتوح بذلك نهاية عصر الإحتكار، فقد تمكنت قناة الجزيرة القطرية على غرار العشرات من القنوات الفضائية، من جعل الرأي الآخر، المستبعد وغير المرغوب فيه، مادة استثمرت فيها وفتحت لها المجال للظهور والإدلاء بكل ما تفكر فيه بصوت عال بعيداً عن أعيب الرقيب.
فالرأي الذي هو في حقيقته حالة داخلية أو تصور داخلي، يرتبط بقناعة الشخص وإعتقاده، سرعان ما يتحول إلى شأن عام ومصدر قلق وإزعاج وحتى إلى مصدر خطر، لمن لا يتقبل النقد والمعارضة، ولا يؤمن بالحق في الإختلاف، وبغض النظر عن الأبعاد الفلسفية التي تنطوي عليها هذه المسألة، يتحول الجهر بالرأي الآخر، إلى معضلة حقيقية في الدول غير المسألة، يتحول الجهر بالرأي الآخر، إلى معضلة حقيقية في الدول غير الديمقراطية، او التي تعيش في كنف ديمقراطية شكلية لم تنضج، ولم تبلغ حد الإيمان بحق الآخر في إبداء رأيه ما دام أنه لا يعتد على حرية الآخرين ولا يضر بهم.
ومن هنا سارعت الجماهير المتعطشة لسماع الرأي الآخر، إلى متابعة النشرات الإخبارية المتميزة، والإستمتاع بالبرامج الحوارية المثيرة، التي بدأت قناة الجزيرة بالترويج لها في عالم عربي تعود نوعاً حوارياً أحادي الرأي، فكانت برامج الرأي بمثابة الإفراز الأكثر وضوحاً للإنقلاب في برامج التلفزيون التي تناقش قضايا الفكر والسياسة والدين والمجتمع وكافة القضايا الجادة في العالم العربي دون قيود.
وفي هذه الدراسة، التي قسمها المؤلف إلى أربعة فصول سنتعرف على مضمون أهم البرامج الحوارية في الجزيرة، وأجندة القناة من خلالها، وذلك بالتعرف على طبيعة المواضيع التي تركز عليها إهتمامها، ونوعية المعالجة التي تنحاز إليها، وكم الموضوعية والحرية التي تتيحها للمشاركين فيها، ومن تم نوعية وحجم الآراء المختلفة التي تنقلها إلى الرأي العام الذي تخاطبه، إضافة إلى القيم التي تروج لها وعوامل الجذب فيها.