لم يجد المشترع نفسه في السابق مضطراً للتوسع في قواعد المسؤولية كما لم يتطرق الى موضوع الضمان ايضاً مكتفياً بقواعد عامة تكفي لتغطية الظروف السائدة في حينه نظراً لان الاخطاء الناجمة عن التعامل بين الافراد كانت محدودة آنذاك، ولكن الامر لم يعد كذلك اليوم بسبب التطور والتنامي...
لم يجد المشترع نفسه في السابق مضطراً للتوسع في قواعد المسؤولية كما لم يتطرق الى موضوع الضمان ايضاً مكتفياً بقواعد عامة تكفي لتغطية الظروف السائدة في حينه نظراً لان الاخطاء الناجمة عن التعامل بين الافراد كانت محدودة آنذاك، ولكن الامر لم يعد كذلك اليوم بسبب التطور والتنامي الصناعي الذي قابله تنوع في مصادر الاضرار وفي ظروف هذه الاضرار فضلاً عن تراجع النزعة الفردية في المجتمع امام تعاضد افراده وتنامي الروح القبلية والمشاركة الجماعية حيث أصبح البحث أكثر الحاحاً عن ضمانات أكبر بعد بروز ميل أخذ يتنامى مع توسع نطاق المسؤولية لتأمين حماية أقوى للضحية في النزعة الجماعية، عزز ذلك التطور الاجرامي في ظل تطور المجتمعات، فكان الهدف من القوانين التعويض عن الضحية بصرف النظر عن خطأ الفاعل. ففي فرنسا صدر قانون عان 1985 يتعلق بالتعويض عن ضحايا حوادث السير. وهذا القانون يتعلق بالمتضرر دون المسؤول وهو يؤمن تسهيل حصول الضحية على تعويض مهما كان الامر وذلك لأن من يدفع التعويض هي شركة الضمان. لذلك أوجد هذا القانون مفهوماً حديثاً هو مفهوم الارتباط، فيكفي ان يكون هناك ارتباط هناك تلامس بين الاثنين فمجرد ان توقف السيارة في مكان معين ادى بشكل غير مباشر الى حادث معين فإنه يؤدي الى وجوب التعويض على الضحية من قبل ضامن السيارة المعنية. ومفهوم الارتباط هذا هو أوسع بكثير من مفهوم السببية في القانون المدني. كما ان القانون يلزم شركة الضمان بالتعويض حتى لو كانت هناك قوة قاهرة أو ساهمت الضحية في ارتكاب الخطأ لان ذلك لا يشكل سبباً يعفي المسؤول من التعويض فيما عدا مثلاً حالة الانتحار. وتطبيقاً لذلك فإن الخطر المؤمن منه في هذا النوع من التأمين، لا يعتبر متحققاً بمجرد وقوع الضرر للمتضرر بل هو لا يتحقق الا برجوع المتضرر فعلاً على المضمون اي انه هو المطالبة المترتبة على وقوع الحادث وليس وقوع الحادث في ذاته، فالضمان ينصب على رجوع الغير بالمسؤولية وليس فقط على مجرد سببها وفي هذا الاطار فإن شركات الضمان أو التأمين عادة ما تلزم المضمون بإعلامها بالخطأ خلال فترة زمنية محددة وإلا سقط حقه بالضمان وتضيف شرطاً على عقد الضمان يؤمن في حالة رفع دعوى تعويض على المضمون حقها في التدخل في الدعوى. من هنا يتبين ان تطور الفكر القانوني ادى بالمشرع وبالقضاء الى التوصل الى خلق علاقة قانونية بين المتضرر والضامن، بحيث يكون للمتضرر حق مباشر قبل الضامن. وتحقيقا لهذه الغاية اعطى الفقه والاجتهاد وسيلة قانونية تمكن المتضرر من الحصول على حقه في التعويض عن الاضرار التي اصابته وقد تمثلت هذه الوسيلة بالدعوى المباشرة التي يقيمها المتضرر مباشرة بوجه الضامن بدلاً من رفع الدعوى على المضمون دون أن يمنعه ذلك من رفع الدعوى على المضمون مباشرة او ادخاله في الدعوى المباشرة. وبالفعل فقد أقرت محكمة التمييز اللبنانية في احد قراراتها بهذا الحق فاعتبرت: "ان حق المضمون في الاستفادة من عقد الضمان كما اعلنت محكمة الاستئناف لا يتوقف على دفعه التعويض المترتب بذمته للغير بل ان هذا الحق ينشأ من مجرد حصول الحادث وترتيب المسؤولية وأن عقد الضمان يوجب ضمان المخاطر التي تترتب على المضمون من جراء ملاحقات الغير ايضاً حتى يصبح بمأمن من كل ملاحقة ويتوجب على الضامن تحمل التبعة الناتجة عن مثل هذه الملاحقة بمجرد حصولها وثبوتها.. والدعوة المباشرة هي دعوى للمتضرر يمكن له بواسطتها ان يتوصل الى الحصول على تعويض الضرر الذي اصابه مباشرة من ضامن المسؤول عن هذا الضرر. وفي هذا السياق، تناول هذا الكتاب موضوع البحث في دراسة مقارنة بين القضاء اللبناني والفرنسي ووزعه على قسمين تفرعا الى عدة مباحث وفق ما يلي: القسم الاول: أساس الدعوى المباشرة في اطار ضمان المسؤولية. المبحث الاول: نظرية التعاقد لمصلحة الغير. المبحث الثاني: تخويل المتضرر حق الرجوع المباشر بنص القانون. القسم الثاني: اقامة الدعوى المباشرة في اطار ضمان المسؤولية. المبحث الاول: شروط الدعوى المباشرة. المبحث الثاني: الاختصاص القضائي بالدعوى المباشرة. المبحث الثالث: الدفوع التي يمكن للضامن الاحتجاج بها بوجه المتضرر. المبحث الرابع: سقوط الدعوى المباشرة بمرور الزمن.