"ما أحوجنا اليوم، كما كنّا في الأمس، لإقناع الأفراد أن الدولة التي نصّبت نفسها حامية لهم، وأخذت على عاتقها صون حقوقهم، قد أمّنت لهم من الضمانات ما يكفل عدم التعرض لها، ووفّرت لهم متطلبات الدفاع عنها، وبينت سبل حمايتها!".صرخة أطلقها المقدم عادل مشموشي لتبرير اختياره موضوع...
"ما أحوجنا اليوم، كما كنّا في الأمس، لإقناع الأفراد أن الدولة التي نصّبت نفسها حامية لهم، وأخذت على عاتقها صون حقوقهم، قد أمّنت لهم من الضمانات ما يكفل عدم التعرض لها، ووفّرت لهم متطلبات الدفاع عنها، وبينت سبل حمايتها!". صرخة أطلقها المقدم عادل مشموشي لتبرير اختياره موضوع كتابه "ضمانات حقوق الخصوم خلال مراحل ما قبل المحاكمة الجزائية". عبارة نستعيدها، للتأكيد على أهمية هذا المؤلف الذي وضع فيه الباحث كل ما لديه من ثقافة قانونية وخبرات علمية، استمدها خلال مراحل خدمته لما يقارب العشرين عاماً، مترئساً قطعات ميدانية، تعنى بالتحقيق وملاحقة المجرمين، مقراً بثغرات عديدة تعتري إجراءات الملاحقة الجزائية المهيئة للمحاكمة، ومبدياً اقتراحات عملية لمعالجتها أو للتخفيف منها. الكل مجمع على أهمية إجراءات الملاحقة الجزائية التي تسبق المحاكمة، والصعوبات التي يواجهها المكلفون بها، ولدقة التمييز ما بين مظلوم وظالم، ما بين مجرم وبريء، في ظل تداخل المصالح والشبهات، ولضرورة السرعة في اتخاذ إجراءات الملاحقة، ما يسهّل جمع الأدلة قبل زوالها، لتنطق بواقع الحال، وكشف المجرمين وتوقيفهم قبل فرارهم، وتبيان مدى صحة الإتهامات التي تلقى في أحيان كثيرة جزافاً للنيل من كرامات الناس. كل ذلك مطلوب إجراؤه، وعامة الناس كما الضحية في عجالة لأن ترى أن العدالة آتية لا محالة! وأحياناً تحت ضغط إعلامي!!! وكيف السبيل الى التوفيق بين الحؤول دون ظلامة بريء أو إفلات عتات المجرمين من العقاب؟. أن يفكر رجل عملاني من قوى الأمن الداخلي بالذات، في التطرق كتابة لحقوق الخصوم في الملاحقات الجزائية، لهو دليل مسؤولية، وتعبير عن رغبة في مواجهة المعوقات التي تعترض تحقيق العدالة؛ فتراه حين تطرّقه لضمانات حقوق المتضرر من الجريمة، يتحدث وكأنه يعرض لما لحق به شخصياً من ضرر، وما كابده من ألم جسدي، ومعاناة نفسية، أو مادية أو معنوية. منذ لحظة وقوع الجريمة. ولما عاناه خلال إجراءات الملاحقة الجزائية، ومنبهاً الى ما يمكن أن يواجهه بعد صدور الأحكام بصورتها النهائية، قضت بالبراءة أم بالإدانة والعقاب، مؤكداً على أن التعويض مهما علا قدره، ومهما كان شكله، لا يصلح ما انكسر، ولا يعيد من فُقد. وحين تطرقه لضمانات حقوق المشتبه به أو المتهم، ترى المؤلف وكأنه يسرد ما لحق به من جور نتيجة لنزوة شخص، أراد النيل من سمعته أو كرامته، فاشتكى عليه أو ادعى ضده؛ أو لأن المولجين في الملاحقة تعمدوا حرمانه من حقوقه الشخصية التي كفلها له الدستور، أو التعامل معه وكأنه مجرم شرير، لمجرد الشبهة به، ومن دون تمكينه من ممارسة أبسط حقوق الدفاع التي كفلها له الدستور أيضاً. يعرض لكل ذلك، مبيناً الإشكاليات التي تثيرها النصوص الإجرائية الحالية، وكم رأيته موفقاً في ابتداع حلول عملية، تضمن حقوق مختلف الخصوم في الملف الجزائي، وتحقق التوازن فيما بينها.