نشوء العملة وأسباب إنخفاض قيمتها بعد أن عرف الناس في العصور الأولى للبشرية طريقة بدائية للتعامل بينهم تقوم في مبادلة المواد والسلع التي يمتلكها أحدهم بمواد وسلع يمتلكها غيره يكون هو بحاجة إليها، فقد لجأوا إلى وسيلة أسهل تزيل الإزعاج والمصاعب التي تلازم المبادلة وتوفر...
نشوء العملة وأسباب إنخفاض قيمتها بعد أن عرف الناس في العصور الأولى للبشرية طريقة بدائية للتعامل بينهم تقوم في مبادلة المواد والسلع التي يمتلكها أحدهم بمواد وسلع يمتلكها غيره يكون هو بحاجة إليها، فقد لجأوا إلى وسيلة أسهل تزيل الإزعاج والمصاعب التي تلازم المبادلة وتوفر للفرد بسهولة - عن طريق إعتماد مادة ذات وزن وأوصاف معينة ومتوافرة الوجود، كعنصر موحد ومقياس للقيم - إمكانية شراء المواد والسلع التي يريد إقتناءها. وكانت هذه الطريقة في أساس إنشاء العملة في المجتمعات البشرية، والتي انطلقت في البدء كعملة معدنية، ذهبية أو فضية، ثم ما لبثت أن استبدلت بعملة ورقية تقوم على أساس وزن معين من الذهب وقابلة للإستبدال به، وتكون لها القيمة الإيرانية نفسها التي للعملات المعدنية، وتتميز عنها بكونها أخف عبئاً في إستعمالها من كل من المشتري والبائع. وقد تعمم إستعمال العملة الورقية في مختلف أنحاء العالم، ولكن مزايا هذه العملة قد تضاءلت بعد حين، على أثر قيام ظروف صعبة وحروب مفجعة عرفها العالم، واخصها الحربان العالميتان الأولى (سنة 1914- 1918) والثانية (سنة 1939- 1945)، حيث تدهورت قيمة بعض العملات العالمية إلى مستوى متدن جداً وفقدت المستوى الذي كان يسمح بمعادلتها بكمية معينة من المعدن الثمين؛ الأمر الذي حمل تلك الدول على فك الإرتباط بين عملاتها الورقية ووزن الذهب الذي كانت تمثله ومنع إبدالها به، واضحت قيمة العملة الورقية تبنى على الثقة التي كانت للمتداولين بها في القوة الإقتصادية للبلد نفسه مصدر تلك العملة. ولا ريب في أن هبوط القيمة الشرائية (Dépréciation) للعملة له تأثير مباشر على الإلتزامات والديون المحددة بالنقود والناشئة في وقت سابق ولم يتم الوفاء بها وبعد؛ وقد أدى هذا الأمر حيثما حصل (كما في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا مثلاً بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية)، ويؤدي أيضاً حيثما يحصل (كما في لبنان بعد الأحداث الحربية التي عرفها منذ عام 1975 وحتى الآن)، إلى مشاكل وصعوبات جمة تتمثل في الإختلال الفادح الذي أصاب أو يصيب الإلتزامات العقدية المحددة بالعملة الوطنية أو الديون النقدية - بعد إنخفاض قيمة هذه العملة إنخفاضاً مذهلاً - وحيث ينتهي الأمر - إن لم يعالج على أساس من العدالة والإنصاف - إلى تحلل المتعاقد أو المدين من إلتزاماته وديونه بنسبة عالية جداً وإلى الوقوع الغبن الفاحش والظلم الذي لا يطاق بالمتعاقد الآخر أو بالدائن لسبب أو لأسباب لا يد له فيها. لهذا استعرض هذا البحث الحلول التي اعتمدها القضاء وأبداها الفقه أو أقرتها التشريعات الوطنية حيثما وجدت، في هذا المضمار، مع التوقف عند ما تتيحه المبادئ العامة في القوانين التي لم تأتِ بنص خاص صريح في شأن هذا الموضوع - ومنها القانون اللبناني والقانون الفرنسي - بغية إيجاد حلول ملائمة له، فتناول المؤلف في هذا الخصوص: 1-الإلتزامات العقدية المحددة بالنقود التي يتم تنفيذها على مدى من الزمن، 2-التعويضات النقدية.