-
/ عربي / USD
دخلت الدولة الإسلامية في العصر العباسي الأول في دورٍ جديد عَظُم فيه نفوذ الفرس فشجع ذلك أصحاب الديانات القديمة الفارسية بحركات زندقية، وذلك أنه لما كان الفضل الأكبر في وصول العباسيين إلى الخلافة يرجع إلى الإيرانيين، وخاصة الخراسانيين منهم، فقد ركن الخلفاء الأولى من أسرة بني العباس إليهم، ورفعوا من أقدارهم بإسناد أرقى المناصب إليهم، وبذلك تألق نجم الفرس، وغزت أنظمتهم الدولة وصار منهم القادة، والوزراء، والعلماء، والكتّاب، ولم يقتنع كثيرٌ منهم بأن يقف على قدم المساواة مع العرب، وقد كان جلّ أمانيهم في العصر السابق أن يصلوا إليها؛ بل ذهبوا إلى القول بتفضيل الفرس على العرب محتجين ببعض الأحاديث، وببعض الآيات القرآنية بتأويلها تأويلاً - لا تساعد عليه اللغة التي أُنزل بها القرآن - يوصلهم إلى ما يريدون.
يقول الجاحظ: وربما كانت العداوة من جهة العصبية؛ فإن عامة من ارتاب بالإسلام إنما جاءه ذلك من الشعوبية، فإذا أبغض شيئاً أبغض أهله، وإن أبغض تلك اللغة أبغض تلك الجزيرة، فلا تزال الحالات تنتقل به حتى ينسلخ من الإسلام، إذ كانت هي التي جاءت به، وكانوا السلف.
وقد عدّد البغدادي بين الشعوبين من يروّج (عقيدة الباطنية)، ويقول منهم: إنهم يرون تفضيل العجم على العرب ويتمتعون عدد الملك إليهم، بيد أن الرعاية التي لقيها الفرس من العباسيين لم تستمر طويلاً، فلقد فتك السفاح بأبي سلمة الخلاّل وفتك أبو جعفر المنصور بأبي مسلم الخراساني... وفتك هارون الرشيد بأسرة البراقلة، تلك الأسرة التي أدت للدولة خدمات جليلة، فكان هذا التصرف من الخلفاء من البواعث التي أدت إلى كره الفرس للعباسيين، ذلك الكره الذين دفعهم إلى القيام بثورات زندقية جامحة [...].
من هذا المنطلق، يأتي هذا البحثُ الذي حاول من خلاله الباحث تسليط الضوء على حركة الزندقة التي سادت في العصر العباسي الأول، وبيان موقف الخلفاء منها، وقد تم تقسيم هذا البحث إلى مقدمة وكتابين.
تحدث الباحث في المقدمة عن الحالة الدينية في بلاد فارس، تلك البلاد التي كانت مسرحاً للحركات الدينية التي قامت ضد الدين الإسلامي من قبيل الفتح العربي لها حتى نهاية العصر العباسي الأول، تمهيداً للدخول في الكلام عن القائمين بهذه الحركات.
أما الكتاب الأول فقد تم فيه تناول الكلام عن أهم الطوائف التي كانت للإسلام والمسلمين عن طريق العنف والشدّة، أطلق عليها الباحث اسم "الزنادقة الثوار" لما كان يكتنف حركاتها من الحروب العنيفة؛ ونظراً لإختلاف الظروف التي لابست قيام كل حركة، واختلاف زعمائها، واختلاف السنين التي قامت فيها، جعل الباحث الكلام على كل طائفة مبحثاً خاصاً مستقلاً، وذلك ضمن ترتيباً تاريخي حسب ظهورها، ذاكراً حركة "بها قرمد" أولاً ثم حركة "سنباذ"، ثم حركة "اسحاق الترك" ثم حركة "الراوندية" وهكذا... معقباً بكلمة عن هذه الحركات، وعن حركة أبي حرب المبرقع في الشام التي تشير إلى زندقة زعيمها صاحب كتاب "البدء والتاريخ".
أما الكتاب الثاني؛ فقد تم فيه الكلام حول أولئك الذين كانوا يعملون فرادى إلى هدم الدين الإسلامي؛ للتخلص من قيوده، أو منها ومن سلطات العرب الفاتحين تحت ستار التدين بالإسلام مطلقاً على هذه الطائفة اسم "الزنادقة غير الثوار" لسلوكها طريقاً غير طريق الثورة، وهو طريق الدسّ والغشّ في تحقيق أغراضها.
ونظراً لإختلاف موقف الخلفاء في هذا النوع من الزنادقة، جعل الباحث أساس التقريع في هذا الكتاب عهود الخلفاء مرتباً ترتيباً تاريخياً، مراعياً في ذكره لأفراد هذه الطائفة سنيّ وفاتهم.
وإتماماً للفائدة، ألحق الباحث بهذه البحوث المتقدمة، بحثاً تناول فيه الكلام عن أصل كلمة زندقة، ومعناها من بدء ظهورها على وجه البسيطة حتى العصور الحديثة.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد