الوقف في اللغة: الحبس، تقول: وقفتُ الدابة، وأوقفتها: إذا حبستها في مكانها، وفي الشرع عند أبي حنيفة: حبُس العين على ملك الواقف، والتصدق بمنفقتها، أو صرفها عن أحبّ، هكذا عرفوه على مذهبه، وحقيقة مذهبه في الوقف أنه لا يجعل به إلا مشيئة التصدق بمنفعة الموقوف، وله أن يترك ذلك متى...
الوقف في اللغة: الحبس، تقول: وقفتُ الدابة، وأوقفتها: إذا حبستها في مكانها، وفي الشرع عند أبي حنيفة: حبُس العين على ملك الواقف، والتصدق بمنفقتها، أو صرفها عن أحبّ، هكذا عرفوه على مذهبه، وحقيقة مذهبه في الوقف أنه لا يجعل به إلا مشيئة التصدق بمنفعة الموقوف، وله أن يترك ذلك متى شاء، وهذا القدر كان ثابتاً قبل الوقف فلم يُفِدِ الوقف عنده شيئاً.
وهذا معنى قولهم: كان أبو حنيفة لا يجيز الوقف؛ أي: لا يُثّبِتْ له الأحكام التي ذكرها غيره له، إذا علمتَ هذا علمتَ أن تعريفهم الوقف على مذهبه بأن قبْس العين... إلخ.
غير صحيح، لأنه لا حبس عتده؛ لأن للواقف بيعه حتى شاء وملكه مستمر فيه كما لو لم يحصل منه الوقف، وهو عند الصاحبين: حبس العين لا على ملك أحد غير الله تعالى، والتصدق بمنفقتها أو صرفها إلى من أحب، فيلزم الوقف عندهما، ولا تُملك العين الموقوفة، ولا تباع، ولا توهب ولا توَرث، وقد ظهر أن الخلاف بين الإمام وصاحبه في لزوم الوقف وعدمه، فعنده: لا يلزم إلا أن يحكم به حاكم، أو يخرجه مخرج الوصية، وعندهما: يلزم وإن لم يحصل شيء من ذلك.
استدلّ أبو حنيفة رحمه الله لمذهبه بـ: ما أسنده الطماوي إلى حكومة عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أنزلت سورة النساء وأنزل فيها الفرائض نهى عن الحبس، وروى هذا الحديث الدارقطني، وفيه عبد الله بن لهيعة عن أخيه وهما ضعيفان، ورواه ابن أبي شيبة موقوفاً على عليٍّ قال: حدثنا هشيم عن إسماعيل ابن أبي خالد عن الشعبي قال: قال عليّ رضي الله عنه: لا حبس عن فرائض الله إلا ما كان من سلاح أو كُراع، وهذا الموقوف له حكم حكم المرفوع؛ لأن مثله لا يقال إلا سماعاً.
واستدلّ أيضاً بما وراه ابن أبي شيبة في البيوع قال: حدثنا وكيع وابن أبي زائدة عن مسعد عن ابن عوف عن شريح قال: جاء محمد صلى الله عليه وسلم ببيع الحبيس، وأخرجه البيهقي وشريح من كبار التابعين فهو حديث مرسل يحتج به من يحتج بالمرسل، واستدلّ الصاحبان على لزومه بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وكثيرٌ من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فقد روي عن الميسور بن رفاعة قال: قتل مُخيريق على رأس اثنين وثلاثين شهراً من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوصى إن أصيب فأمواله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبضها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصدق بها... وروي عن ابن كعب القرظي قال: كانت الحبسُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة حوائط بالمدينة: الأعراف، والصافية، والدلال، والمثيب، وبرقة، وحسنى، ومشربة أم إبراهيم [...].
وهكذا يتابع المؤلف، العلامة محمد إسماعيل البرديسي الحنفي الإستدلالات المتعلقة بأحكام الوقف، وهي رسالة، كما يذكر، ألفها في وقت قصير في أحكام الوقف... وهي وإن كانت صغيرة الحجم إلا أنها كشفت القناع عن مذهب الأئمة الثلاث: أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد؛ رضوان الله عليهم جميعاً، حيث تمت الإشارة في هذه الرسالة إلى أصل مذهب كلٍّ منهم وكثير من الفروع التي تتفرع عليه.
وقد جاءت عناوين الموضوعات كالتالي: 1- أحكام الوقف، 2- فصل في أهل الوقف ومحلّه وحكمه وبعض ألفاظه، 3- باب شروط الوقف، 4- فصل في الشروط المختلف فيها، 5- باب ما يجوز وقفه وما لا يجوز، وما يدخل في الوقت تبعاً ولا يدخل، 6- فصل في المسجد ونحوه، 7- باب الولاية على الوقف، 8- فصل في بيان ما يجوز للقيّم من التصرف وما لا يجوز، 9- باب الموقوف عليه.