إن من أجلّ علوم الفقه: علم الفروق الفقهية، فهو علمٌ جليل عظيم، به تظهر أسرار التشريع الإسلامي، وتتبدى محاسنه، ويقع التمييز بين المتشابهات، والتفريق بين المتماثلات، ذلك أن الشريعة المعظمة المحمدية اشتملت على أصول وفروع، وأصولها قسمان: أحدهما المسمّى بأصول الفقه، وهو في...
إن من أجلّ علوم الفقه: علم الفروق الفقهية، فهو علمٌ جليل عظيم، به تظهر أسرار التشريع الإسلامي، وتتبدى محاسنه، ويقع التمييز بين المتشابهات، والتفريق بين المتماثلات، ذلك أن الشريعة المعظمة المحمدية اشتملت على أصول وفروع، وأصولها قسمان: أحدهما المسمّى بأصول الفقه، وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام، الناشئة عن الألفاظ العربية خاصّة، وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح، الناشئة عن الألفاظ العربية خاصّة، وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح، نحو: الأمر للوجوب، والنهي للتحريم، والصيغة الخاصة للعموم، ونحو ذلك، وما خرج عن هذا النمط إلا كون القياس حجّة، وخبر الواحد، وصفات المجتهدين، والقسم الثاني: قواعد كلّية فقهية جليلة؛ لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى، ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه، وإن اتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال، فبقي تفصيله لم يتحصّل. وهذه القواعد مهمة في الفقه، عظيمة النفع وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه، ويشرف ويظهر رونق الفقه، ويُعرف، وتتضح مناهج الفتاوى وتكشف، فيها تنافس العلماء وتفاضل الفضلاء، وبرز القارح على الجذع، وحاز قصب السبق فيها برع. وإن أهمية علم الفروق الفقهية تأتي من خلال أهمية علم الفقه، الذي لا يمكن لمسلم أياً كان، أن يستغني عن هذا العلم. من هنا، تأتي أهمية هذا البحث الذي جاء بمكانة رسالة لنيل الباحث الدرجة العالية العالمية (الدكتوراه)، والتي جاءت تحت عنوان "الفروق الفقهية عند الإمام الشافعي في كتاب الأم"، وقد وقع اختياره على هذا الموضوع نظراً لأهمية علم الفروق الفقهية، كما أسلفنا، ومكانته بين العلوم الشرعية، وبيانه لأسرار التشريع وحكمه وفوائده، وبيانه أيضاً الحكمة من إختلاف الفقهاء؛ هذا بالإضافة إلى أن علم الفروق يُكسِبُ الباحث فيه، مقدرة على الإستنباط، والإستدلال، ومعرفة الوجوه التي بها تخرّج المسائل الفقهية. بالإضافة إلى ذلك، فإن كتاب "الأمم للإمام الشافعي، كتاب عظيم قدره، رفيعة مكانته، تناوله العلماء بالدراسة والبحث، وانتفعوا منه أشدّ الإنتفاع، وقد جُمع في هذا الكتاب معظم ما ألفه الإمام الشافعي؛ ففيه الفروع الفقهية التي أفتى بها الشافعي، وهي المادة الغالية في الكتاب - وفيه "الرسالة" على قول بعض المحققين، و"إختلاف الحديث"، و"جماعُ العلم"، و"إختلاف مالك والشافعي"، و"إختلاف أبي حنيفة وابن أبي المعلي"، وغير ذلك مما ورد في كتاب الأم. ويشير الباحث أنه وبعد تتبعه للفروق الفقهية التي جاءت في كتاب الأم، وكذلك وبعد إطلاعه على ما صُنّف في كتب الفروق الفقهية عزم على جميع هذه الفروق ودراستها وليمضي في إتمام بحثه هذا، معتمداً في إعداده المنهج الإستقرائي والتحليلي والإستنباطي، ذلك أنه قام بإستقراء الفروق الفقهية في كتاب الأم وجمعها ضمن أربعة أبواب، متتبعاً هذه الفروق في كتب الفقه على المذاهب الأربعة، وفي كتب الفروق الفقهية، ليعمد من ثم إلى دراسة كل فرق دراسة تحليلية، وصولاً لإستنباط الحكم الشرعي. وكانت دراسة الباحث لكل فرق حسب الخطوات التالية: أ- العنونة للفرق بعنوان مناسب، ب- البدء بذكر نص الإمام الشافعي في كتاب الأم الذي ذكر فيه الفرق، ج- بيان وجه الفرق من خلال كلام فقهاء الشافعية، والمعتمد عندهم، ذاكراً من وافقهم من الفقهاء، وغالباً ذكر أقوال من خالفهم، د- ذكر علّة الفرق، حسب ما ذكره الشافعي، أو غيره عن الفقهاء، هـ - ذكر أدلّة كل فرقٍ من الفروق الفقهية، من الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، دون التعرض لأدلة المخالفين، خشية الإطالة، و- اختام الدراسة لكل فرقٍ ببيان صحة الفرق وقوته، أو بيان بطلانه وضعفه. وعليه فقد عمد الباحث إلى تقسيم البحث إلى مقدمة، وتمهيد، وأربعة أبواب، وخاتمة: أولاً: المقدمة: بين من خلالها أهمية الموضوع وعلاقته بالواقع، ومنهج البحث وأهم المصادر والمراجع التي اعتمد عليها، ثانياً: التمهيد: كان في ترجمة الإمام الشافعي، وتقديم دراسة موجزة لكتاب الأم الشافعي، وللفروق الفقهية، ثالثاً الباب الأول: الفروق الفقهية في الطهارة، والصلاة من كتاب الأم، رابعاً: الباب الثاني: الفروق الفقهية في الزكاة والصيام والحج من كتاب الأم، خامساً: الباب الثالث: الفروق الفقهية في المعاملات من كتاب الأم (في البيوع والفرائضي)، سادساً: الباب الرابع: الفروق الفقهية في النكاح والجنايات والجهاد من كتاب الأم، سابعاً: الخاتمة ثم الفهارس العامة.