إن أشرف ما اشتغل به طالب العلم بعد كتاب الله تعالى كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو خير الهدي بعد هدي كتاب الله تعالى، فكان من فضل الله تعالى على هذه الأمة أن هيأ لها أئمة أعلاماً، جهابذةً راسخين، خدموا سنة نبيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأزالوا عنها زيغ أهل البدع...
إن أشرف ما اشتغل به طالب العلم بعد كتاب الله تعالى كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو خير الهدي بعد هدي كتاب الله تعالى، فكان من فضل الله تعالى على هذه الأمة أن هيأ لها أئمة أعلاماً، جهابذةً راسخين، خدموا سنة نبيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأزالوا عنها زيغ أهل البدع والضلال، فحافظت على حلتها حجّة بيضاء، ولعل من أبرز هؤلاء الأفذاذ الإمام الحافظ المجوّد أو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي الدار قطني (نسبة إلى دار قطن، وكانت محلة كبيرة ببغداد)، المقرئ عن المحدث.
قال ابن فلكان: كان عالماً، حافظاً فقيهاً على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، انفرد بالإمامة في علم الحديث في دهره، ولم ينازعه في ذلك أحد من نظرائه، وتصدر في آخر أيامه للإقراء ببغداد، وقال: كان متفنناً في علوم كثيرة، إماماً في علوم القرآن الكريم، عارفاً بإختلاف الفقهاء، ويحفظ كثيراً من دواوين العرب، صنف التصانيف، وسار ذكره في الدنيا، وهو أول من صنف القراءات وعقد عليها أبواباً قبل فرش الحروف.
توفي الإمام الحافظ الدارقطني سنة (385هـ) وصلى عليه الفقيه المشهور الإسفراييني، ودفن قريباً من معروف الكرخي، من تضامينه المهنة كتاب "السنن" - الذي بين يدي القارئ - وقال الخطيب: إن كتاب "السنن" الذي صنّفه دلّ على أنه كان ممن اعتنى بالفقه؛ لأنه لا يقدر على جمع ما تضمن ذلك الكتاب إلا من تقدّمت معرفته بالإختلاف في الأحكام، وقال شيخ الإسلام: قصد به غرائب السنن؛ ولهذا يروي فيه من الضعيف والموضوع ما لا يرويه غيره، وقد اتفق أهل العلم بالحديث على أن مجرد العزو إليه لا يبيح الإعتماد عليه.
وقد اهتم أهل الحديث بهذا الكتاب، فألفوا في حقه عدّة مؤلفات، هذا وقد تم التوصل للحصول على نسخة خطية نفيسة جداً لهذا السفر، وهي نسخة أبي علي الصدفي، نسخة كاملاً، واضحة الخط، يندر وقوع الخطأ فيها؛ كتبت بخط فارسيّ دقيق، وهي نسخة مصورة عن الأصل الخطيّ الموجود في مكتبة رئيس الكتاب باسطنبول تحت رقم (175)، عدد أوراقها (159) ورقة، وعدداً أسطرها (36) سطراً.
هذا ويعود التوجه لطباعة هذه النسخة الخطية النفيسة من كتاب "السنن" للإمام الدارقطني لعدة أسباب لعلّ من أهمها: أولاً: المنزلة المرموقة التي يحتلها الإمام الحافظ أبي الحسن علي بن عمد الدارقطني بين العلماء والمحدثين، ثانياً: المكانة العلمية والفقهية التي حظيت به "سنن الدارقطني"، بين علماء الحديث والفقه وأصوله قديماً وحديثاً، ثالثاً: القيمة الفريدة لهذه النسخة الخطية، فقد نسخت في سنة (511هـ)، وقرئت على المحدث أبي علي الصدفي، وقد ذكر في الصفحة الثانية منها سنده المتصل في رواية "السنن" إلى مصنفه الدارقطني، رابعاً: تعتبر هذه النسخة النفيسة أصلاً ومرجعاً لطلاب العلم الشرعي عند إختلاف النسخ المطبوعة التي بين أيديهم، خامساً: تعدُّ هذه النسخة الخطية مفيدة لكل من له إهتمام بالمخطوطات العربية والإسلامية؛ حيث تُعتبر مثالاً حيّاً لكل من يريد التعرف على طرق العلماء في نسخ المخطوطات ومقابلها، وغير ذلك مما يتعلق بهذا الفن.
أما ما يتعلق في إخراج هذه النسخة النفيسة، فهو يتلخص بما يلي: 1-إضافة ترقيم متسلسل للصفحات أسفل كل صفحة من صفات المخطوط، 2-إضافة أرقام للأحاديث في هامش المخطوط، وذلك بالإعتماد على ترقيم نسخة "سنن الدارقطني" المطبوعة في مؤسسة الرسالة بتحقيق النسخ شعيب الأرناؤوط، 3-تذييل هذه النسخة بفهرس لأطراف الأحاديث، وفهرس للموضوعات ليسهل على القارئ والباحث الوصول إلى مراده، 4-كتابة مقدمة تشتمل على تعريف بالقيمة العلمية لسنن الدارقطني والتعريف بالعمل في طبع هذه النسخة، مع إثبات ترجمة للحافظ أبي الحسن الدارقطني، ووصف للنسخة الخطية؛ نسخة أبي علي الصدفي، مع ترجمة رواتها.