إن فن كتابة الوصايا فنٌّ اتبعه العلماء السابقين، حيث سطر كل علمٍ منهم وصيته في ورقات، فقد تكون هذه الورقات التي يسطرها المؤلف إما لأبنائه، فيعطيهم الخبرة في حياته الدنيوية، وإما أن يسطر لهم سيرته الذاتية كما فعل ذلك الحافظ ابن الجوزي في رسالته هذه فجمعهما معاً حيث سطرها...
إن فن كتابة الوصايا فنٌّ اتبعه العلماء السابقين، حيث سطر كل علمٍ منهم وصيته في ورقات، فقد تكون هذه الورقات التي يسطرها المؤلف إما لأبنائه، فيعطيهم الخبرة في حياته الدنيوية، وإما أن يسطر لهم سيرته الذاتية كما فعل ذلك الحافظ ابن الجوزي في رسالته هذه فجمعهما معاً حيث سطرها لإبنه محمد المكنى أبا القاسم المولود سنة 580 المتوفى مقتولاً في وقعة التتار ببغداد سنة 656هـ. وقد كانت رسالة الحافظ ابن الجوزي لابنه محمد رسالة راسمة موضحة الطريق لمنهج أهل الحق فقد جمع ما رآه الحق في أعماله وأقواله مقتفياً أثر قوله تعالى: (واتقوا الله ويعلمكم الله) [البقرة: 282]. فبهذا نجد أن رسالة الحافظ ابن الجوزي هذه هي مدرسة، تضع نفسك وكينونتك البشرية على بداية السلم، وتنبهك من الأخطار المحدقة بك، وتحثك على العمل بإعمال عقلك وفكرك، وتطبيق الجرعة بحذافيرها لكي تحصل على الثواب العميم، المبعد عن فكر المتربصين بالدين، القاحمين عليه ما ليس منه. ولأهمية هذه الرسالة، اعتنى بتحقيقها الأستاذ عبد الحميد الدرويش، حيث عمل على ضبط النص ضبطاً كاملاً لكي يسهل على القارئ قراءته، كما عزا الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة إلى أماكنها، كما ترجم لبعض رجال هذه الرسالة، وشرح الكلمات الغريبة، وأخيراً عمل على فهرست ذكر مصنفات المؤلف المذكورة في هذه الرسالة.