اصطلح مؤرخو الأدب على تقسيمه إلى عصور محدودة البدء والنهاية، وهم حين فعلوا ذلك لم يدعوا أن الإنقلاب الأدبي يحدث في عام أو أعوام، أو أنه يحدث فجأة كما تتغير الدول ويلي الحاكم الحاكم؛ وذلك لأن الأدب من الأمور المعنوية التي تتغير ببطء وتتبدل في أزمان طويلة، فما كان العصر...
اصطلح مؤرخو الأدب على تقسيمه إلى عصور محدودة البدء والنهاية، وهم حين فعلوا ذلك لم يدعوا أن الإنقلاب الأدبي يحدث في عام أو أعوام، أو أنه يحدث فجأة كما تتغير الدول ويلي الحاكم الحاكم؛ وذلك لأن الأدب من الأمور المعنوية التي تتغير ببطء وتتبدل في أزمان طويلة، فما كان العصر العباسي مثلاً ليغير الأدب حتى تمر أزمان طويلة ينسى الناس فيها حياة الأمويين ويتمثلون الحياة الجديدة في شتى مظاهرها وهكذا. وإنما فعل مؤرخو الأدب ما فعلوا من تحديد العصور الأدبية، ليقربوا التغير الطارئ إلى الأذهان، وليربطوا بين الحياتين الأدبية والسياسية لأن كلاً منهما يؤثر في الأخرى تأثيراً كبيراً. إذا علمنا هذا وعلمنا أن كل قطر من الأقطار العربية كانت له ظروفه الخاصة في بداية القرن التاسع عشر أدركنا إلى أي حد يصعب على مؤرخ الأدب أن يحدد مبدأ عاماً لنهضة الأدب في هذه الأقطار وكيف يستطيع ذلك؟!... وقد تهيأ لبعضها أسباب النهوض مبكرة فاستطاعت أن تسير قليلاً في ميدان الرقي في فجر القرن الماضي على حين قعدت بغيرها حوادثها عن التقدم فظلت زمناً غير قليل وهي على حالتها الأولى لم تتزحزح عن أفقها العقلي والعلمي الذي درجت عليه وألفته الزمان الطويل. ولهذا يقف مؤرخ الأدب متسائلاً: أيجعل وصول المبشرين إلى بلاد الشام بداية للعصر الحديث؟ أم يجعل حملة نابليون في الشرق أول النهوض ومقدمة الرقي؟!... الحق إن المبشرين قد استطاعو أن يحدثوا تغييراً يذكر في النواحي العلمية في بلاد الشام، ولكن هذا التغيير لم يقو على توجيه الأقطار الأخرى ولم يغير من تقاليدها وإتجاهها العلمي والأدبي.