إستناداً إلى القوانين الكونية والنواميس الإلهية العظيمة فإن البشرية مبنية على الرجل والمرأة، وقد جُعل كل منها سبباً في إستمرار المسيرة البشرية والحياة الإنسانية عبر مرّ الدهور، وخصَّ كل واحدٍ منهما بصفات لا يمتلكها الطرف الآخر آخذاً بعين الإعتبار في زرع كلّ صفةٍ من...

إستناداً إلى القوانين الكونية والنواميس الإلهية العظيمة فإن البشرية مبنية على الرجل والمرأة، وقد جُعل كل منها سبباً في إستمرار المسيرة البشرية والحياة الإنسانية عبر مرّ الدهور، وخصَّ كل واحدٍ منهما بصفات لا يمتلكها الطرف الآخر آخذاً بعين الإعتبار في زرع كلّ صفةٍ من صفاتها؛ العدل الإلهي الذي يحكم الكون بأجمعه؛ فلا في ساحته جلّ جلاله وعلا شأنه، فوزّع عليهما الصفات ليقوما بواجبهما أمامه؛ سبحانه وتعالى، أولاً، وأمام مجتمعهما ثانياً، وليطبّقا الأطروحة العادلة بما لها من صفاتٍ أو سلاح غرسه الله تعالى فيهما.
قال تعالى في محكم كتابه العزيز... (وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون)... فهدف الرجل كهدف المرأة لا يختلف؛ ألا وهو الكمال والطاعة، والعبادة للحقّ جلّ وعلا، وليس العدل هو السمة الوحيدة التي كانت سبباً في توزيع الصفات وإختلافها بين الرجل والمرأة، فهناك الرحمة واللطف الإلهيّان اللذان غمر بهما الرجل والمرأة على حدٍّ سواء؛ فما أعظم اللطف الإلهي الذي جعل لكلٍّ منهما واجبه ورسم لكلّ منهما طريق تكامله، ولم يخلط الأوراق فتختلط الأهداف؛ وبالتالي تختلط النتائج.
وأيّ رحمة ورأفة تلك التي غمر بها المرأة فجعلها جوهرة مصونة يحفظها الرجل ويعطف عليها ويكنّ لها كلّ الحب والولاء؟ كيف لا وهي الأم والأخت والزوجة والبنت؛ بل القرينة له في إسلامه وإيمانه ودينه وعقديته؛ تلك سنّة الحياة، ومن يتعدّ سنة الحياة يلق إثماً مبيناً، بل تلك هي صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة؟!...
وعلى الرغم من ذلك؛ لا يخفى أن موضوع المرأة وحقوقها ومكانتها في المجتمع الإنساني يعدّ اليوم من أهم الأبحاث المطروحة على بساط البحث الإجتماعي؛ خصوصاً من الناحية الدينية والنظرة التي توليها الشرائع السماوية للمرأة ودورها في المجتمع عموماً.
هذا وقد أعطت الرسالة المحمدية الخاتمة المتمثلة بالقرآن الكريم، كما ورد آنفاً، دوراً عظيماً ومكانةً كبيرة للمراة في زمن كانت فيه الحضارات والأمم آنذاك تنتقص من قيمة المرأة، بل لا تعتبرها مخلوقاً كاملاً يستحق أيّ تقدير!... حتى أصبحت عندهم ألفاظ المرأة، والضعف، والهوان، كالألفاظ المترادفة في السياق العرفي، بل لا نجد أمّة من الأمم أو شعباً من الشعوب إلا وعندهم أمثال يضربونها في كلامهم تؤكد ضعف المرأة وهوانها عندهم، فيقرّعون الجبان، ويؤنبون الضعيف بلفظ "المرأة"! [قال الشاعر: وما أدري ولست إخال أدري / أقومٌ آل حصنٍ أم نساء] علماً إن هذه الفطرة للمرأة موجودةٌ في كل المجتمعات واللغات؛ وإن اختلفت أساليب التعبير شكلاً ومضموناً.
وفي خضم هذا العالم الذي يعطي المرأة هذه المرأة المتدنيّة والقيمة المتسافلة، بزغ نور الإسلام، وارتفعت راية الرسالة المحمدية الخاتمة لتضع حدّاً لهذا الظلم الذي لحقت بالمرأة في ظلّ القوانين الجائرة التي وضعتها الأمم والشعوب التي عاشت آنذاك... ولتقرّر في حق المراة أمراً لم تكن تعرفه الدنيا، قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)... [الحجرات/ الآية 13]، وقال تعالى: (أنّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض)... [سورة آل عمران/ الآية 195].
وفي ضوء ذلك يأتي هذا الكتاب ليكون حلقة ضمن الحلقات التي تكوّن بمجموعها النظرة الإسلامية التي تبنّتها الرسالة المحمدية الخاتمة حول المرأة وعظمة مكانتها دينيّاً وإنسانياً.
يتضمن الكتاب مجموعة من الأبحاث والأحاديث التي تدور حول المرأة، سطّرها المرجع الديني السيّد الشهيد محمد الصدر في هذا المجال، وأن هذه الأبحاث يمكن تقسيمها من حيث مصادرها ومناسبة كتابتها إلى عدة أقسام: 1-ما كتبه السيّد الشهيد في مؤلفاته المعروفة، وخصوصاً ما كتبه في موسوعته "ما وراء الفقه"، 2-ما ذكره السيد الشهيد عن المرأة في خطب الجمعة التي كان يلقيها في مسجد الكوفة، 3-ما كتبه السيد الشهيد عن المرأة في بحوثه الإجتماعية عندما كان طالباً في كليّة الفقه في النجف الأشرف لم يتجاوز عمره اثنين وعشرين عاماً.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب يأتي ضمن جهود اللجنة الثقافية في مكتب السيّد الشهيد، بهدف تقديم هذا النتاج المهم لتضعه بين يدي طلاب العلم والمعرفة والباحثين في المجال الإجتماعي عموماً.