يعدّ السيّد الشهيد محمد الصدر، المرجع الديني الكبير، من أبرز مفسري القرآن الكريم، ومن كتب في علوم القرآن الكريم في العصور المتأخرة، وقد أسس منهجاً جديداً ومبتكراً في علم التفسير من خلال ما قدمه من نتاج علمي في تفسيره المعروف بــ (منّة المنّان في الدفاع عن القرآن...
يعدّ السيّد الشهيد محمد الصدر، المرجع الديني الكبير، من أبرز مفسري القرآن الكريم، ومن كتب في علوم القرآن الكريم في العصور المتأخرة، وقد أسس منهجاً جديداً ومبتكراً في علم التفسير من خلال ما قدمه من نتاج علمي في تفسيره المعروف بــ (منّة المنّان في الدفاع عن القرآن الكريم). وبالرغم من أن هذا الكتاب ليس كتاباً تفسيرياً بالمعنى العام للتفسير، كما نصّ على ذلك في مقدمته، حيث قال: "لا ينبغي أن يلحق هذا الكتاب (منّة المنّان) بكتب التفسير العام، فإنه ليس كذلك إطلاقاً، وقد تجنبت فيه - عن عمَدٍ - كل ما يرتبط بالتفسير المحض، إلا ما نحتاج إليه أحياناً على سبيل الصدفة... وإنما يلحق هذا الكتاب بحقل الكتب التي اختصت بمشاكل القرآن الكريم لو صحّ التعبير؛ إلا أن السيد الشهيد ذكر في مقدمة "منة المنان" نحو عشرين مقدمة، ابتنى عليها منهجه التفسيري، وتبلورت في ضوئها رؤيته القرآنية في الكتاب المذكور. وإلى هذا، فإن "منّة المنان" ليس هو النتاج التفسيري الوحيد للسيد؛ وإن كان هو الأبرز في تراثه القرآني؛ بل هناك نتاج تفسيري آخر لا يقلّ أهمية عن الكتاب المذكور، والمقصود تفسير الآيات القرآنية التي انتشرت في مؤلفاته الأخرى غير "منّة المنان"، وهي مؤلفات كثيرة وواسعة، كوّنت بمجموعها نتاجه العلمي والفكري الغزير في فروع المعرفة الإسلامية المختلفة، من الكلام والتفسير والفقه والأصول والفلسفة والتاريخ وغيرها. فقد تعرض إلى تفسير مجموعة كبيرة من الآيات القرآنية توزعت بين آيات العقائد والأخلاق والأحكام، إضافة إلى بحوثه القرآنية الأخرى التي جاءت على شكل مقالات خطّها وهو لم يتجاوز العقد الثاني من عمره عندما كان طالباً في كلية الفقه في النجف الأشرف. ونظراً لأهمية هذا التراث التفسيري الميثوث في مؤلفاته التي تصل إلى ثلاثين مجلداً، وتعميماً للفائدة ثمّ إستلاله من تلك المؤلفات وجمعه في هذا الكتاب، لوضعه بين طلاب العلم والتحقيق، إلى جانب كتابه "منّة المنّان"؛ لكي ينهلوا من هذا البحر الزاخر الذي يمثل أحد جوانب الفكر الخالد للسيّد الشهيد. وتجدر الإشارة إلى أن هذه البحوث التفسيري التي ضمها هذا الكتاب جاءت ضمن سياق بحوث مختلفة في منهجها العلمي، فقد يكون مذكوراً في كتاب عقائدي، أو أخلاقي، أو فقهيّ، أو أصوليّ، أو تأريخيّ، وبالتالي كان لا بدّ من الإلتفات إلى جهة البحث التي ينتمي إليها تفسير الآية الكريمة. ومن هنا، تم تقسيم الكتاب إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول ويضم آيات العقائد من مثل: آية القربي، آية التطهير، معنى التطهير والرجس، بداية الخلفة على الأرض، إلقاء النعش في التهلكة، الفطرة وأثرها في العقيدة... أما القسم الثاني فقد تمحور حول آيات الأخلاق من مثل: آيات الأمثال والقصص (قصة التضحية الخالدة)، في الفهم الأخلاقي للسجود القرآني، الآية (41) سورة الأنفال (أية الخمس)، تفسير باطني لآية العيد في سورة المائدة. وأما القسم الثالث فقد شمل آيات الأحكام سورة الطلاق، الآية (237)، الإيلاء: سورة البقرة الآيتان (226- 227)، سورة الواقعة، الآية (2): إستعمالات الكذب في القرآن، سورة المائدة، الآية (6)، سورة النساء، الآية (33) (ما يجب ستره على المرأة، سورة البقرة الآية (275)، تعريف الربا سورة البقرة، الآية (144- 145)، مبحث القبلة، الإستدلال بالقرآن الكريم، الكلام في جهة الكعبة، علامات القبلة؛ بالإضافة إلى ذلك تضمن هذا القسم حواراً عقائدياً مع السيد الشهيد محمد الصدر حول رفع الشبهات عن الأنبياء. وتجدر الإشارة إلى ذلك البحث التمهيدي الذي استُهِلّ به الكتاب والذي تتضمن جملة من المسائل التي تناول السيد الشهيد والتي تقع في صميم علوم القرآن الكريم، كحجيّة القراءات، ومخالفة بعض الآيات للقواعد العربية في علم النحو، وبعض قواعد التجويد، وتجزئة القرآن إلى الأجزاء المعروفة، وأغراض السور، والسجود في القرآن الكريم، وقصد الدعاء بالقرآن الكريم، والإعتبار بالقرآن الكريم وغيرها من المسائل القرآنية.