يعتبر السيد محمد باقر الصدر شخصية نهوضية، والذي عرف بمشروعه في الإصلاح والتغيير، وعليه كان لا بد من أن يكون على تماس بالشأن التربوي سواء على نحو مباشر أو ضمني أو في سياق ما كان يطرحه من أفكار ومعالجات.ولن يكون هناك تجاوز للحقيقة إذا ما قيل أن حركته الفكرية والسياسية قد...
يعتبر السيد محمد باقر الصدر شخصية نهوضية، والذي عرف بمشروعه في الإصلاح والتغيير، وعليه كان لا بد من أن يكون على تماس بالشأن التربوي سواء على نحو مباشر أو ضمني أو في سياق ما كان يطرحه من أفكار ومعالجات. ولن يكون هناك تجاوز للحقيقة إذا ما قيل أن حركته الفكرية والسياسية قد اعتمدت التربية مقوماً أساسياً من مقوماتها، كما أن الموضوع التربوي تجلى لديه عبر العديد من كتاباته الفلسفية والإجتماعية، فضلاً عن أنشطته التعليمية، بل إن صفته كأحد كبار علماء الحوزة ومعلميها قد جعل من إصلاح التعليم وتطويره أحد أهم إنشغالاته. ويقول المؤلف في هذا السياق، بأنه كان يلمس ذلك كله في ثنايا فكره، ومن خلال كتاباته وممارساته وبين طيات ما ترك من رسائل ومحاضرات ووثائق، وأنه لولا إنتهاء حياته بالإستشهاد... وهو لما يبلغ الخمسين من العمر... لأمكن توفير الكثير من الأفكار والمعالجات التي تعبر عن فكره التربوي وإهتماماته العلمية. كما أن ما أولاه من إهتمام بموضوعي القيادة والقدوة، وما ترجمه من عناصرهما في سياق ممارساته العملية يكشف عن وجه آخر من وجوه شخصيته التربوية؛ بل أن سيرته الذاتية كانت بمثابة الحقل التطبيقي لكل ما كان يؤمن أو ينادي به من أفكار وقيم وأخلاقيات، لذا يمكن القول: إن الصدر لم يكن مجرد عالم أو مفكر، بل إنه كان قائداً يدرك تمام الإدراك أهمية أن يكون القائد معلماً قدوة. والحقيقة أن الصدر بقدر ما كان يجعل من فكر إستثنائي، فإن خصائصه الذاتية وسيرته الأخلاقية كانت أكثر إستثنائية، ولعلها تتفوق في أهميتها وخطورتها على جوانبه العلمية والفكرية. من هنا، يأتي هذا الكتاب الذي يقدم من خلاله المؤلف دراسة حول الفكر التربوي للصدر، وكان لا بد للكاتب وفي سبيل إستعراض جهوده التعليمية، البدء بدراسة العصر الذي عاش فيه وما اكتنفت ذلك العصر من أحداث ووقائع وملابسات، ثم الوقوف على طبيعة النشأة الخاصة وعناصر التكوين والعوامل التي أسهمت في تشكيل شخصيته. ومن ثم، ولمعرفة معالم فكره التربوي كان من الطبيعي الرجوع إلى أهم مفاهيمه الفلسفية وتحليل ما انطوت عليه من مضامين، ثم متابعة ما تميز به منهجه العلمي من أخلاقيات ذات دلالات تربوية، فضلاً عن تحليل فكره التربوي المتصل بالجوانب الإجتماعية والسياسية والإقتصادية، والذي قام بتقديمه ضمن مقارباته للنظام الإسلامي. بالإضافة إلى ذلك، كان لا بد من التطرق إلى التعليم الحوزي ومعرفة الجهود التي قدمها في حقل التعليم في هذا الصرح العلمي، ثم ما قام به على هذا الصعيد من تجديدات وإضافات سواء على مستوى المناهج أو على مستوى طرق وأساليب التدريس أو التأهيل التربوي أو العمل الإداري والخدمات التعليمية. كما كان لا بد للمؤلف من الوقوف على أفكاره المتعلقة بموضوعي القيادة والقدوة اللذين منحهما إهتماماً خاصاً، مع الكشف عن عناصر القدوة السياسية التي تجسدت في سلوكياته ومواقفه بصفتها المعبّر الحقيقي عن أنموذجه القيادي، ثم متابعة أثر ذلك على الآخرين. وإلى هذا، فقد اعتمد المؤلف في دراسته هذه على المنهج السردي التاريخي التحليلي خلال فصول الكتاب، حسب ما يقتضيه الموضوع، لتكون له وقفة تقومية اعتمد فيها على مناهج التحليل والمقارنة والنقد.