الكتابة في إحدى صورها؛ تجربة إجتماعية يستقيها الكاتب من واقع مجتمعه الذي يتقرّى في بحبوحته ويستذري بخيمته، متأثراً بما يعتملُ فيه من أحداث سارية وإرهاصات جارية.والكاتب الذي يتصّدى لواقعه الإجتماعي، وهو يخضع لرزمة المؤثرات التي تُحاصره، لا بد وأن تمتلئ بتلك المؤثرات...
الكتابة في إحدى صورها؛ تجربة إجتماعية يستقيها الكاتب من واقع مجتمعه الذي يتقرّى في بحبوحته ويستذري بخيمته، متأثراً بما يعتملُ فيه من أحداث سارية وإرهاصات جارية. والكاتب الذي يتصّدى لواقعه الإجتماعي، وهو يخضع لرزمة المؤثرات التي تُحاصره، لا بد وأن تمتلئ بتلك المؤثرات الضاغطة، نفسه، وتتمثلها مخيلته، ثم تتمخض بعناء ولادتها قريحته، فيعمد بعد لأي ولظى إلى تفريغها، حين يريد تجسيدها؛ بياناً فنياً متميزاً، أو تلتطم في طواياه حين تحيط بفكره. فتزكي في نفسه روح الإنفعال وتُفعم قلبه وحواسه بحيوية المعنى ووميض المقال، وتظل تمور وتضطرم في داخله حتى يعمد إلى تفريغ شحناتها في شكل فني يستهويه ويُرضيه. وإذا كان الجاحظ ساخر العربية الأول، فكان ببخلائه فناناً بارعاً، وكانت (رسالة التربيع والتدوير) خير ممثل للكتابة الساخرة؛ فإن عصرنا الذي نتفئ بأيامه قدّم لنا كتاباً امتازوا بكتاباتهم النقدية الساخرة، من أمثال داود الفرحان، علي السوداني... وآخرين. وكان الجاحظ إذا أراد أن يرسم، ساخراً، تعابيره المصورة، لجأ إلى وصف الملامح الشخصية التي تشوه الشكل الخارجي - عن قصد منه - فقصّر قامة الرجل وضخمهُ، وعرّضه من وسطه حتى بدا لنا الجاحظ أشبه بمصور بارع يلتقط صورة بعدسة آلة تصوير حديثة وبطريقة (سينمائية) عجيبة، دون أن ينسى رسم صورة هزلية لنفسية الرجل وتفكيره... فإن للجاحظ، بيننا، خليفة يُدعى (حامد الحمراني)، الذي اتخذ من الكتابة الساخرة لوناً من ألوان الأدب السوسيولوجي الواقعي الذي يستمد نسقه ونماءُه مما يحيط به، في وقت باتت المحن والأحن هي المهيمن الراكز، كالزاوية الواحدة في محيط عراقي أصبحت مشكلاته تثير التأمل لدى الذهن الإبداعي وتستفزه، بعدما تعقدت المشكلات وقُبلت المسلّمات والمقبولات رأساً على عقب؛ فكان لا بد أن تزدهر السخرية المريرة التي تبغي الإصلاح والتقويم... وتأتي منتجات قلم حامد الحمراني مما يدخل في إطار الكتابة الهادفة، الموجهة التي تدخر طاقة هائلة من المشاعر والإنفعالات، وتعوض النفس المرُهقة عن المعاناة الثقيلة في الحياة، وتنفس عن مكبوتاتها، وبذلك تصبح كتاباته أو (قفشاته) علاجاً ناجحاً لمشكلات وأزمات إجتماعية وسياسية لا تقدر بثمن، لأنها تبصر الآخرين بعواقب السلوك السيء.