نقرأ في هذا الكتاب رسالتان فلسفيتان لأبي نصر الفارابي من شرح وتحقيق الدكتور جعفر آل ياسين، أولاهما "مقالة أبي نصر الفارابي فيما يصحَ وما لا يصحَ من أحكام النجوم"، والأخرى "جوابات لمسائل سئل عنها"، تتميز الرسالة الأولة منهما في أنها حديث ممتع عن دلالاتٍ علميةٍ وفلكية، ينقلها...
نقرأ في هذا الكتاب رسالتان فلسفيتان لأبي نصر الفارابي من شرح وتحقيق الدكتور جعفر آل ياسين، أولاهما "مقالة أبي نصر الفارابي فيما يصحَ وما لا يصحَ من أحكام النجوم"، والأخرى "جوابات لمسائل سئل عنها"، تتميز الرسالة الأولة منهما في أنها حديث ممتع عن دلالاتٍ علميةٍ وفلكية، ينقلها إلينا عالم متأدب هو أبو اسحق إبراهيم بن عبد الله البغدادي في ديباجةٍ قصيرةٍ يسوقها بألفاظه المتميزة، واصفاً حرصه الشديد في اقتناء هذا العلم الذي سعى إليه جلَ حياته، باحثاً في مقالات أصحاب الأرصاد ومدوناتهم؛ فلم يجد لديهم ما يكفي تطلَعه ورغبته اللتين يقصد ويريد، حيث وصلت به الحال إلى اليأس والارتياب، فليس لدى هؤلاء شفاء عمَا هو فيه!، فصار –كما يقول- "اليقين الذي معي شكَاً، والاعتقاد ظناً، والثقة تهمة، والاخلاص ريباً!". حتى اتفق له لقاء أبي نصر الفارابي فشكا إليه حاله ويأسه ورغبته الشديدة في الوقوف على أسرار هذا العلم، خاصَة ما يصحَ منه وما لا يصحَ، وما اتضح من احكام مذاهب الحكماء الأولين عنه(...)". تلك هي بعض من فذلكة البغدادي التي سبقت نص الرسالة التي بعثها إلى الفارابي والذي استجاب فيها الأخير لطلبه وردَ عليه في صفات النجوم وحركاتها مبيناً موقفه منها فيما خص تأثيراتها على خطوط الناس ومنازلهم الاجتماعية. إضافة إلى جوابات لمسائل أخرى في رسالة ثانية. وفي هذا السياق يذكر المؤلف جيمع مصادر تلك الرسالتان في الكتب التي تحدثت عنها حيث ذكرها ابن النديم في طبقاته والغزنوي في كتاب "إتمام التتمة" وغيرها كثير ساعياً إلى التحقيق فيها بقصد إيجاد وسيلة سليمة تقرب إلى روح النص بدلالته التي ترتفع إلى حدَ المطابقة مع النص الأصلي من دون الإخلال بالأمانة العلمية، حيث اعتمد تحقيق النص على قاعدة التكامل بين هذه النسخ، والذي يؤدي إلى كشف الشكل الحقيقي الذي أراده الفارابي.