ليس هناك من شك وعند الحديث عن الفيلسوف ابن سينا (370- 728هـ) وعن طريقته التي سلكها في دراسته للمنطق العربي، بأن مفهوم المنطق كدلالة أصيلة خالصة هو للمعلم الأول أرسطو طاليس دون غيره منذ أقدم العصور وحتى مرحلة متأخرة من الزمان، ولكن لا بد من القول كان لعلم المنطق نصيب كنصيب سائر...
ليس هناك من شك وعند الحديث عن الفيلسوف ابن سينا (370- 728هـ) وعن طريقته التي سلكها في دراسته للمنطق العربي، بأن مفهوم المنطق كدلالة أصيلة خالصة هو للمعلم الأول أرسطو طاليس دون غيره منذ أقدم العصور وحتى مرحلة متأخرة من الزمان، ولكن لا بد من القول كان لعلم المنطق نصيب كنصيب سائر علوم الأوائل من إجتهادات المفكرين والفلاسفة المسلمين، إذ يجد الباحث في المنطق العربي جوانب جديدة يتميز إبتكارها بالكيف لا بالكم، والأصالة الحقة هي ما تمثلت بعمليتين منفصلتين متتاليتين: تحليلية من جهة، وتركيبية من جهة أخرى، تقوم على عناصر قبلية للتجربة الجديدة في الفكر. ففي التحليل يتم التوصل إلى العناصر الأساسية في الموقف أو التجربة، ويتم التقدم شيئاً جديداً في الرؤية المرادة والصورة المقصودة، وفي التركيب، حال أخرى تعتمد التدرج من البسيط إلى ما هو أكثر تعقيداً، من القضية إلى نقيضها، ومن الأحكام النسبية إلى أحكام أشدّ بإختلاف صانعيها، ولكنها في صميم طبيعتها لا تخرج عن صفة الإبتدائية التي تم الإشارة إليها، أو بمعنى آخر أن الأصالة هي تحقق نمواً من التجديد في عملية التأثر الفكري ذاتها، على أن يكون هذا التجديد عملاً خالصاً لأصحابه. ومن هنا، كانت الأصالة، أية أصالة، تنفق في مدلولها نوعاً وتختلف كيفاً، وهذا لا يعني أن المنطق العربي جاء على غير مثال، بل أنه يعني الجانب النقدي لهذا العلم فيما أضافه أو حذفه من منطق (صاحب المنطق)، أو من إتجاهات مدرسته المتأخرة، ويضاف إلى ما تقدم تطوير هذا المنطق وإضافاته لنظرية التعريف الأرسطية، وأفكاره. كما سيرى القارئ في المنطق السينوي، صحة التعريف بالمثال، وما ابتكره بالنسبة لمنطق القضايا أو حساب القضايا (كما يسمى في المنطق المعاصر)، ومتغيراتها وإنحرافاتها من تجديد لم يسبقه إليه الدارسون من قبل، رغم شروحهم المطولة على المنطق الأرسطوطالي؛ وكان للمنطق العربي أيضاً مشاركة جادة وجديدة بالنسبة لما يسمى "بنظرية المجموعات" في المنطق الحديث، حيث وضع المناطقة تصنيفاً للعلاقات بين الحدود، مختلفاً تماماً عن التصنيف المعروض، كما تبينه هذا البحث في تفاصيله، والذي جاء بمثابة عرض ودراسة للنظرية المنطقية عند ابن سينا. إذ كان المنطق هو السبيل الأحب الذي سلكه هذا الفيلسوف ليؤدي إلى نحوٍ من هذا التمييز - بالطرائق الخاصة - بين الإستنتاج الصحيح والإستنتاج الفاسد، كي يعصم الذهن من الوقوع في الزلل شكلاً لا مادة، بإعتبار أن المنطق يتضمن في دلالته المنطق الخارجي والداخلي والفطري معاً، ويقود الإنسان إلى مرحلة (البرهان) الذي يستوي صدقة وصدق العلم الرياضي سواء بسواء، لقد تكفلت هذه الدراسة في إيضاح وتحليل الموقف السينوي نحو هذا العلم، في أبواب شملت جوانب متعددة في المدخل والتصورات العامة، مع مقدمة عن منطق القضايا، وبحث عن القياس والإستدلال، ومن ثم عن الجدل والسفسطة ولواحقهما في الخطابة والشعر.