-
/ عربي / USD
إن "الموت المجاني" الذي صرنا نعيش في كنفه هو نتاج عملية طويلة، ابتدأت ببعض التنازلات التي قدمناها تباعاً، وآخر مراحلها كان "فعل القتل" الذي أنزل علينا من السماء براميل، ومن أقبية المخابرات تعذيباً.
كشفت الثورة السورية وجهاً آخر لواقعنا؛ توسعت فيه الجريمة في سوريا من جريمة يقوم بها المستبد إلى سلسلة من الجرائم المتسلسلة يضيع فيها وجه القتلة، وبدل أن تقود هذه النقلة إلى مرحلة أقرب لإسقاط النظام، فإنها لم تؤد إلا إلى المزيد من العنف والدموية.
والوطن الذي لم يعد بإمكانه تقديم أي من الحقوق، فضلاً عن الخدمات، لا يبقى له إلا أن يمننك بنعمة الأمن والأمان. أقصى ما يستطيع هذا الوطن المفلس أن يعدك به هو أن يبقيك رهينة تحت رحمته لكن دون أن يقتلك، هذا إن استسلمت لدور الرهينة أو "الكبش"، لكن لكل كبش عيد يأتيه ويكون يومه الذي لا مفر منه. هذه الأوطان المافيوية تقايض البشر على حياتهم مقابل حياتهم.
رحلة النوري بدأت بكونه وجهاً مطموساً في خلفية اللوحة، كومبارس على هامش المشهد، وتستمر في جعله مبهماً أكثر فأكثر، إلى أن تنتهي عملية الهدم الممنهجة لكل ما يكون ذاتنا، وكل ما يجعلنا بشراً أسوياء فاعلين ومالكين لمصيرنا ولقراراتنا. فنصبح متجردين من ذواتنا ومن إنسانيتنا، وذائبين في خلفية المشهد المظلم كبقعة تتلاشى مع مرور الوقت. إن نتيجة هذه الرحلة التعيسة هي انغماس المجموعة في مظلوميتها التي تغدو هويتها، والفرد يصبح لا شيء سوى امتداد لتلك المظلومية، حاله وسلوكه يصرخان قائلين: "أنا لست ما اخترت أن أكون، إنني فقط ما حدث لي".
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد