-
/ عربي / USD
كان شيئاً لا تستطيع الكلمات أن تفسِّره: مجموعة من البشر في مكانٍ واحد، يتشاركون رَغْماً عنهم الطعام والمكان والوباء، يدفنون سويَّةً أحبَّة مُقرَّبين لهم، يتطلَّعون في بعضهم والدموع والحسرات تُغرق عينَي كُلٍّ منهم، ومع ذلك ليس فيما بينهم أيّ شكل من أشكال المودَّة أوالمؤازرة أوالمواساة. فما إن تنتهي ساعات الدفن والنواح، حتَّى يعود الجنود والخيَّالة إلى ما كانوا عليه من قبل، ويصير المُرَحَّلون مُجرَّد قطعان من البشر، يُفعَل بهم كلُّ شيء.
كان الناس هُناك يقومون بأفعال الحُزن والبُكاء والنُّوَاح كما لو كانوا يقومون بأيِّ شيء آخر، مثلها مثل الأعمال المنزليّة واليوميّة بالنسبة إلى السكَّان المحلِّيِّيْن، ومثل أمر عسكريّ بالنسبة إلى الجنود، وكتنفيذٍ للأوامر بالنسبة إلى المُرَحَّلين. كان الحُزن والبكاء قد صارا شيئاً عادياً، خالياً من جروح الوجدان والروح والعاطفة، التي تخلق أثراً لا يُمحى. وإلّاَ، ما تفسير أن يتقاسم مجموع من البشر كَمَّاً مهولاً من الحُزن والألم، دون انجراف تامٍّ نحو الاحتضان والمواساة والمؤازرة؟ ما معنى أن تبقى الكراهية ومستوى العُنف مُحافظَيْن على رتابتهما ونوعيَّتهما بعد لحظات الهوان المُشترك تلك، وكأنه ليس من شيء مرئيّ وملموس وعميق يجمع هؤلاء البشر؟!
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد